الناموس الذي خرجت عليه، إلا من خلقنا نحن، فنحن الألى أوجدناه، ونحن الذين فرضناه وفرضنا اطراده. فلما لم نجده مطرداً سمينا ذلك شذوذاً، ولما لم نجد القاعدة التي ابتدعناها متبعة أسمينا نواقضها استثناء.
على أننا أثناء ذلك لم نفقد حبنا للنفع، ولم تنقض فينا الرغبة في الفائدة، فكنا لا نكشف سراً ناقصاً من أسرار الطبيعة الا ونتساءل كيف ننتفع به في بيوتنا، وكنا لا نزيح الستار عن عجيبة من عجائب الكون لم نفهمها كل الفهم حتى نتساءل كيف نستفيد منها في مدننا وأسفارنا، وما ضرنا ونحن بنو المادة أن تكون قوانين الطبيعة ناقصة ما دمنا نستهدي بها إلى البخار يحملنا من بلد إلى بلد؟ وما ضرنا ونحن بنو النفع أن تكون لنواميس الطبيعة استثناءات ما دمنا نصنع بعونها الطوائر من المعدن والخشب، ونبني المواخر تشق البحر ولا تعبأ بما فيه من أمواج وأنواء؟ ونجحنا في هذا السبيل نجاحا زاد أقدامنا فيه ثباتاً. فبدل أن كانت الغاية مقصورة على فهم الكون ودرس طبائعه، وقبل أن نفهم الكون وندرس طبائعه فنشتفي من ذلك، تطلعنا إلى محاكاة الطبيعة، إلى إنتاج ما تنتج، إلى خلق ما تخلق، إلى التحريك بمثل ما تحرِّك، والتسكين بمثل ما تسكن، وعمدنا إلى مناهضتها كذلك، إلى إماتة ما تحيي، وإلى إحياء ما تميت، إلى تحريك ما تسكْن وتسكين ما تحرّك، وإلى توجيهها إلى ما أرادت وإلى ما لم ترد. هذه غاية ابن آدم: يريد أن يخلق وهو مخلوق، ويحل الوثاق عن قوى للطبيعة هو بها موثوق، ويسيطر على عالم قليل ما هو فيه، وكان الناس يرون في ذلك افتئاتا من المخلوق على الخالق، فأصبحوا يرون فيه تمجيدا من المخلوق للخالق، وكانوا يرون فيه زندقة ومروقا وعصياناً، فأصبحوا يرون فيه إيمانا وتخشعا وتعبدا، وتبينوا أن سر الإنسان من سر الله، وأن ما يأتيه الإنسان إنما يصدر عن فطرة وفطنة هي لله ومن الله.
حاول الإنسان أن يقلد الطبيعة في أمور عدة، فبلغ غايته في البعض، وفات الغاية في البعض، وخاب في كثير من الأمور.
رأى النبات يخرج ألوانا تشبه ما في الطيف من ألوان ويخرج ألوانا على ما في الطيف من ألوان، ولكن النبات بطيء في عمله، والإنسان خُلق من عَجَل، والنبات لا يجود من ألوانه إلا بالنزر اليسير، والإنسان يريد منها الوافر الكثير، والنبات يجود منها بعدد على