وأما الحسبة فوظيفة أوجدها الإسلام عند ما رأى أن الإنسان لا غنى له في حياته عن التعاون مع غيره، وأدرك أنه لكي يستقيم أمر الجماعة لابد من إيجاد سلطة تلزم كل إنسان حده، ولا تترك مجالاً لمن طبعت نفسه على الشر أن يعبث بمصالح الناس إرضاء لشهوة جامحة أو نزوة طارئة. وقد استمدت وجودها من آيات قرآنية عديدة نجدها مفصلة في كتب الفقه الإسلامي أو الكتب التي قصرت نفسها على موضوع الحسبة وحده. ويكفي أن نذكر هنا أن أول من أوجدها هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب المحتسب الأول الذي كان أول من شارف بنفسه الأسواق وراقب المكاييل والموازين وأمر بإماطة الأذى عن الطرق. على أن أعمال الحسبة لم تقف عند هذا الحد الذي وقف عنده عمر، بل اتسعت دائرتها حتى شملت جميع ما يتصل بحياة الناس المدنية والدينية من أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر. ويهمنا نحن بنوع خاص أنها تدخلت في شئون جميع الصناعات ورسمت لأربابها السبيل السوي الذي ينبغي عليهم أن يسلكوه؛ فالخزاف والنساج والنجار والحائك والوراق والصائغ وغير هؤلاء من الصناع لهم منهاج عليهم أن يتبعوه حتى يأمنوا عقاب المحتسب في الدنيا وغضب الله في الآخرة. وقوام ما هم مكلفون به إتقان العمل والإخلاص فيه وتجنب الغش والتدليس.
وأما الوقف فنظام نشأ في الإسلام استناداً إلى أحاديث عدة لعل أشهرها ذلك الحديث الذي ذكره البخاري ومسلم في صحيحيهما كما ذكر أيضاً في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وفي مسند ابن حنبل وفي طبقات ابن سعد وملخصه أن عمر بن الخطاب أصاب أرضا بخيبر فأتى النبي صلوات عليه يستأمره فيها، فقال له النبي إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها. ومنذ عهد عمر ونظام الوقف مستمر حتى يومنا هذا وقد اتسعت أغراضه بحيث شملت معظم نواحي الإصلاح الاجتماعي فأوقفت الأعيان على المساجد والمدارس، والمارستانات والمدافن، وعلى المساكين واليتامى، وعلى الذين وهبوا حياتهم للعلم أو للدين، وعلى غير ذلك من الأغراض التي سطرها الواقفون في وقفياتهم ويضيق المجال عن ذكرها جميعاً. والذي يهمنا من هذا النظام أن أول قواعده وأهمها عمارة الأعيان المحبوسة سواء ما كان منها لاستخدامه في الأغراض سالفة الذكر أو لاستغلاله للانفاق عليها لضمان بقائها ودوام استغلال ريعها. وبفضل هذا العمل الجليل وصلت إلينا تلك