للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اللجنة. .). وتنازل الأمير، ووقف العمل!

قرأت هذا، فأحببت أن أزور الجامع، ولم أكن زرته، وهو قريب من الروضة حيث أقيم، فسألت فوجدت أنه لا يصل إليه ترام ولا سيارة، مع أن كل مكان في مصر (إلا هو) تمشى إليه سيارة أو ترام، فذهبت أخوض في التراب، في طرق مهملة، ومسالك معطلة، حتى وصلت إلى الجامع، وهو قائم كالشيخ المريض المدنف، وسط العشش و (الفواخير) و (الجيّارات) والجبانات!

قلت: أهذا هو جامع عمرو؟ قالوا: نعم. قلت: وهذه هي (الفسطاط)؟ قالوا: نعم!

الفسطاط، أول بلدة للمسلمين في مصر، يهملها المسلمون، حتى تعود مقابر للنصارى؟

الفسطاط، منزل الفاتحين الذين نشروا في مصر حضارة الإسلام، يمحى منها كل مظهر للحضارة، فلا يكون فيها إلا (الفواخير والجيارات)، وتذهب منها معالم الحياة، فلا تكون إلا داراً للموتى؟

هل يدري هؤلاء الذين يروحون ويغدون على هذه البقعة المتروكة، وهل يدري أولئك الذين لم يزوروها ولم يروها أنه من هنا سطع النور الذي أضاء مصر بضوء الإسلام، ومن هنا انبجس المعين الذي روى العطاش من أبناء مصر وأفريقيا، ومن هنا مشت الراية الإسلامية حتى رفرفت على نصف دنيا الماضي من البحر الأحمر إلى ما وراء البيرنة، ومن هنا خرج الصوت الذي ألغى نظام الطبقات، وساوى بين الناس في مصر، وأعطاهم الحرية في دينهم ودنياهم، وأنها هنا ولدت مصر زعيمة العروبة ومثابة الإسلام؟ فمن الذي كاد لهذه البقعة الطاهرة حتى صارت أوحش بقعة في مصر وأحطها وأبعدها عن الحضارة والنظافة والبهاء؟ ما الذي صرف الناس عنها، فلا يؤمها مصري ليذكر مشرق شمس الهداية منها على بلاده، ولا يستطيع أن يصل إليها سائح ليرى فيها آثار أمجد ذكرى في تاريخ مصر؟ أيتخرب المسجد ويهمل الحصن ولا تشفع لهما روعة البطولة، ولا خشعة الإيمان، ولا عظمة العلم؟!

أما والله الذي لا أله إلا هو، لو كانت هذه المآثر لغيرنا، لأمة تحس وتشعر وتقدر أمجادها، لجعلت بقاعها كلها كعبات يحج إليها، ومنابر تتلو على الناس سور البطولة فيصغي إليها الناس كأنها القرآن، ولخلدت كل مكان مرّ منه عمرو، وكل طريق سلكه، وكل قلعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>