للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإسلام فسالموهم، فإن هم أقروا بالزكاة قبلتم منهم، وإلا فلا شئ إلا الغارة ولا كلمة.

وقد قصد خالد بن الوليد مالكاً بعد أن فرغ من أسد وغطفان وغنى، فلما علم مالك بقصده ندم وتحير في أمره، ففرق قومه في أموالهم ونهاهم عن الاجتماع، فلما وصل خالد إلى مكانهم لم يجد فيه أحداً، فبعث السرايا وأمرهم برعاية وصية أبي بكر رضى الله عنه، فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني ثعلبة بن يربوع وغيرهم، وقد اختلفت السرية فيهم، وكان أبو قتادة رضى الله عنه فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا، فلما اختلفوا فيهم أمر خالد بحبسهم، وكانت ليلة باردة لا يقوم لها شئ، وجعلت تزداد برداً، فأمر خالد مناديا فنادى: أدفئوا أسراكم. وكان في لغة كنانة إذا قالوا: ادفأنا الرجل وأدفئوه، فذلك معنى اقتلوه، وفي لغة غيرهم: أدفئوه من الدفء. فظن القوم أنه يريد القتل، فقتلوهم على هذا الظن، وكان ضرار بن الأزور هو الذي قتل مالكا، فخرج خالد وقد فرغوا منهم، فقال: إذا أراد الله أمراً أصابه. وقد وقع خلاف بين القوم في قتلهم، وقال أبو قتادة لخالد: هذا عملك. وقد عاهد الله ألا يشهد حرباً بعدها أبداً.

وهناك رواية أخرى أراها أقرب من هذه الرواية، وهي أن خالداً راجع مالكا فيما فعله، فقال له مالك: إني آتي بالصلاة دون الزكاة. فقال له خالد: أما علمت أن الصلاة والزكاة معاً، لا تقبل واحدة دون أخرى. فقال مالك: قد كان صاحبك يقول ذلك. ففهم خالد أنه يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: وما تراه لك صاحباً، والله لقد هممت أن أضرب عنقك. ثم تجاولا بالكلام طويلا، فقال له خالد: إني قاتلك. فقال له مالك: أو بذلك أمرك صاحبك؟ فقال له خالد: وهذه بعد تلك، والله لأقتلنك. ثم قدمه فضرب عنقه وعنق أصحابه، وقد اختلفوا أيضاً في قتلهم على هذه الرواية، ومن يؤاخذ خالداً يرى أن هذا ليس بصريح في الكفر، لأن مثل هذا يمكن أن يعد من جفوة الأعراب، ويجوز أن يكون قد عنى بصاحبه أبا بكر

وكان لمالك امرأة فائقة في الجمال، تسمى أم تميم بنت المنهال، فلما قتله خالد تزوج امرأته قبل أن يستبرئها، ثم تركها حتى ينقضي طهرها، فأكثر في ذلك القالة على نفسه، حتى أتهمه أناس بأنه إنما قتله لأجل أن يخلفه عليها.

فلما قتل مالك قصد أخوه متمم بن نويرة أبا بكر ينشده دم أخيه، ويطلب إليه في سبيلهم،

<<  <  ج:
ص:  >  >>