والفن من رجالها، وعلى كل سمع ألقي هذا الحديث فإذا هم جميعاً ينكرون على (كرد علي) ما بدر منه، وإذا على كل لسان منهم شيء يصمونه به وإنه أصبح في الدور الأرذل من عمره حتى طلب إلى أديب فاضل أن أشفق على هذا الرجل، وأحبس قلمي عنه لأنه في دور يستحق الإشفاق.
أما أنا فلم أر من كل ما دار هذا الحديث في مجالس هؤلاء الأساتذة: من وحوار ينتهي أكثره إلى أن هذا الرجل قد خرف، وإن هذه الزلة ليست الأولى منه.
أقول: لم نجد في كل ذلك مكفراً عن سيئات هذا الرجل، وحائلاً دون أن اعلق على مجالسه بما يستحقه من تعليق:
هؤلاء السادة، ومنهم من هو صميم المجمع، يقرون أنه اصبح ضعيف العقل، وأن أقواله ليست من المنطق بحيث يحاكم عليها، وانه إذ يقول فيزل، اخلق بإشفاق السامع الحكيم وتغاضيه من أن يحاسبه على قوله، ويعاقبه على زلته، هؤلاء السادة يقرون ذلك ثم جلسوا إليه ويحدقون ويخشعون ولا ينكرون عليه شيئاً مما يقول، فهل هم في ذلك مخلصون له ولمجمعهم ثم لأنفسهم من وراء ذلك كله؟
قد أعجب ويعجب القارئ معي أن كلامنا ينكر على الحكيم أن يكون مرؤوساً للسفيه وهو قادر على تحرير نفسه من رئاسته، وهل هم أعضاء المجمع أو الحكماء منهم يقرون بسفاهة رئيسهم ثم لا يفكرون في تحرير نفوسهم من سفاهته. ولعلهم يفتخرون في انتسابهم إلى مجمع هذا رئيسه، ويحاسبون كل صحيفة تنشر أقوالهم غفاً من هذا الانتساب.
ما أسفه الناس إذ يضعون حداً للمناظرة في العوم والآداب، والمناظرة نوع من الأدب المطلق الذي يكبر عن التحديد، فكم يعجبني قول الأمام علي، هو يوصى بالتواضع ويبالغ في الحث على التخلق به حتى قال: التكبر على المتكبر هو عين التواضع) فإذا صدق في عرف أمام البلغاء أن التكبر قد يكون تواضعاً حيناً ما، فلم لا يصدق على السفاهة في الأدب أن تكون عين الحكمة حينا ما؟؟
فلنخاطب كرد علي بنفس المنطق الذي يخاطب به الناس، أفليس أدبيا في عرف المستخذين له، فإذا خاطبناه بمنطقه لم نخرج في عرف هؤلاء المستخذين عن حدود الأدب، والسيد كرد على، إذ يعلم أركان مجلسه وأعضاء مجمعه أن الأدب رهن بمثل هذا المنطق،