العزيز، وكان بعض المصريين في ذلك الوقت على الشنآن لمروان ولبني أمية، فخاف عبد العزيز عاقبة مقامه في هذا البلد وأفضى بذلك إلى أبيه، فرسم له هذه الخطة المثلى التي ينبغي أن يسير عليها، فيتألف قلوب المصريين على اختلافهم. وتبين له أن هذا الأمر لا يمكن تحقيقه، إلا إذا أسرهم عبد العزيز بجوده وإحسانه، وجذبهم إليه بالمودة ولين الجانب والبشاشة، وبين لكل زعيم أنه من خاصته، وبهذا وحده يتفانى الجميع في خدمته، ويجمع الكل على طاعته. يقول الكندي قال عبد العزيز:(يا أمير المؤمنبن، كيف المقام ببلد ليس به أحد من بني أمية؟) فقال له مروان: (يا بني عمهم بإحسانك يكونوا كلهم بني أبيك، واجعل وجهك طلقاً تصف لك مودتهم، وأوقع إلى كل رئيس منهم أنه خاصتك دون غيره يكن عيناً لك على غيره وينقاد قومه إليك. وقد جعلت معك أخاك بشراً مؤنساً، وجعلت لك موسى ابن نصير وزيراً ومشيراً وما عليك يا بني أن تكون أميراً بأقصى الأرض. أليس ذلك أحسن من إغلاقك بابك وخمولك في منزلك؟)
هذه هي النصيحة الذهبية التي زود بها مروان ابنه عبد العزيز عند توليته أمر مصر. ولم يفت مروان أن يزيد ابنه من النصائح في وصية أخرى ما يكفل له الراحة والطمأنينة في هذا البلد عند رحيله إلى الشام، فلقد أوصاه بتقوى الله في السر والعلانية وبالبر بالفقراء، وبتنفيذ وعده إذا ما وعد ولو حال دون ذلك شوك القتاد، وأن تكون المشورة رائده قبل الفصل في أمور الدولة، وبذلك تلهج الألسنة بالدعاء له ويأمن الفتن والقلاقل
ولقد عمل عبد العزيز بنصائح أبيه فنجحت سياسته في مصر النجاح كله، وأتى في عهده بكثير من ضروب الإصلاح فبنى مقياساً للنيل، وزاد في الجامع العتيق من ناحية الغرب، وأدخل في شماله رحبة فسيحة وأقام على خليج أمير المؤمنين قنطرة عند الحمراء القصوى بطرف الفسطاط وكتب عليها اسمه وذلك سنة ٦٩ هـ، واتخذ حلوان داراً لإقامته بعد أن أصيب بداء الجزام على ما يخالف قول المؤرخين من أنه انتقل إليها لتفشي الوباء في الفسطاط، وأنشأ بها بركة كبيرة ساق إليها الماء من العيون القريبة من المقطم على قناطر تصل عيون الماء بالبركة. وفي حلوان غرس عبد العزيز النخيل والأشجار وبنى المساجد والعمارات الفخمة. حتى قيل إنه بذل في سبيل ذلك مليون دينار ولقد بلغ من عنايته بفن العمارة والتماثيل أن ابتنى في الفسطاط حماما لابنه ذَبّان، وأقام على باب هذا الحمام تمثالاً