كثيرا من الخرافات فلم يجلوا ظلامها الحالك عن النفوس، وشهدوا الأوضاع الظالمة - في عالم السياسة والاجتماع - فلم يحاولوا أن يقفوا أمامها وقوفا ينذرها بالتصدع والانهيار، بل ربما ساروا في ركابها سيرا مشينا، وقذفهم التيار إلى لحجها الزاخرة، فهزوا مع الغواة وأساموا سروح اللهو حيث اساموه، والشاعر يرجع ذلك كله إلى التربية نشأ عليها التلميذ في مدرسته، فقد وجد من الأساتذة من لا ينير طريقه ويكشف ليله، ومن المناهج قشورا بالية يعني وضعها المستعر، فليست خلقا أو تحيى كرامة، بل تخلق فتى مائعا بهندامه كلبسه، ويتشبه بالنساء في عطوره وزينته، ويمشي متخاذلا مدلا تغمره الأحاسيس الناعمة. وتقوده العواطف الرقيقة وقد يتناسى رجولته فيلجأ إلى التخنث والتبذل والعربدة، فخطرات النسيم تحرجه، ولمس الحرير يكلم راحته، وقد مات شعوره فلم يفكر في ضحايا قومه، وصرعى معشره، كأنه ليس عنهم وليسوا منه! فيصير هؤلاء المماسيخ المشوهون خلقا وعقلا ومعقد آمال ومبعث حياة، أم يسيرون بأمتهم إلى الوراء مئات الأميال، ويهوون بها إلى الحضيض السحيق في أغوار الظلام!
هلمو إلى النشء المثقف واكشفوا ... حجابا يغطي نفسه وقناعا
تروا كل مفتول الذراعين ناهدا ... قصيرا إذا جد النضال ذراعا
وكل أنيق الثوب شد رباطه ... إلى عنق يمشى العيون لماعا
يموع إذا مس الهجير رداءه ... كما انحل شمع بالصلاء فماعا
تراه خلي البال أن راح داهنا ... وان قد ذكا منه الأريج وضاعا
وليس عليه ما تكامل زيه ... إذا عرى الخلق الكثير وجاعا
وان راح سوط الذل يلهب أمة ... كراهية يستاقها وطواعا
ولم تشجه رأيا وسمعا قوارع ... يسوء عيانا وقعها وسماعا
ورب رءوس برزة عششت بها ... خرافات جهل فاشتكين صداعا
بها نومتنا الأمهات تخوفا ... وما أيقظتنا الحادثات تباعا
وكما حنق الجواهري على المثقفين من بني وطنه، حنق على بعض رجال الدين من ذوي العثانين الممتدة، والعذبات الطويلة، إذ أن رجل الدين الصادق في رأيه هو الذي يغير المنكر بيده ولسانه وقلبه، فيكون ثائرا أن دعا الأمر للثورة، وصائلا حين يتحتم الصيال،