وقد جرى مع البحتري في وصف ثقيل بارد فقال الوليد أبياته الشهيرة في هجاء أبن الجهم وقال جحظة على طريقته ونهجه:
يا لفظة النعي بموت الخليل ... يا وقفة التدويع بين الحمول
يا طلعة النعش ويا منزلا ... أقفر من بعد الأنيس الحلول
يا نهضة المحبوب من غضبة ... يا نعمة قد آذنت بالرحيل
يا بكرة الثكلى إلى حفرة ... مستودع فيها عزيز الثكول
يا شوكة في قدم رخصة ... ليس إلى إخراجها من سبيل
وهذا طراز من الشعر إن دل على شئ فإنما يدل على تمكن صاحبه من صناعته، وإن كان لا يرضى من يتطلب التنويع في المنحي والتعدد في الاتجاه، لا أن يسير الشاعر على نمط واحد، وكأنه بناء آلي يضع حجراً على حجر.
وقد عاش الشاعر قرناً كاملا قضى فيه أربه من اللذة والمتعة وإن كان الوهن قد دب اليه في أواخر عمره فوقع فيما ى يرتضيه من المرض والهزال، وحينذاك تقوست قناته وثقلت حركته، وأصبح من الموت قاب قوسين فصاح يرثى نفسه:
هي التسعون قد عطفت قناتي ... ونفرت الغواني من وصالي
كأني بالنوادب قائلات ... وجسمي فوق أعناق الرجال
إلا سقياً لجسمك كيف يبلى ... وذكرك في النوادب غير بالي