مفتتحة بالغزل الصناعي بل كان يجيش صدره بالمعنى، فيصوغه في عدة أبيات، وأحياناً يسهب في نظمه ولكن فيما يتعلق بحياته الخاصة، فهو من هذه الناحية شاعر يحترم فنه فلا يعبر عن غير ما يختلج في حناياه، لذلك تجد إنتاجه منصرفاً إلى مجالس اللهو وتصوير ما يمثل في الحانات من مناظر العبث والشراب، على أنك تلمس إبداعه حين يبتدئ فيصف المكان اولا ويتكلم عن المدامة والساقي ثانياً ثم ينتقل إلى المغنى فيسمعك رنين الأوتار، ويريك ترنح الشاربين، إذ يقول:
طرقنا (بزوغي) حين أينع زهرها ... وفيها لعمر الله للعين منظر
فكم من بهار يبهر العين ضوؤه ... ومن جدول بالبارد العذب يزخر
ومن مستحث للمدام كأنه ... وإن كان ذمياً أمير مؤمر
شقائق تندى بالندى فكأنما ... خدود عليهن المدامع تقطر
فكم ساقط سكراً يلوك لسانه ... وكم قائل هجراً وما كان يهجر
وكم منشد بيتاً وفيه بقية ... من العقل إلا أنه متحير
وكم من حسان جس أوتار عوده ... فألهب ناراً في الحشا تتسعر
يغني وأسباب الصواب تمده ... بصوت جليل ذكره حين يذكر
(فكان مجني دون ما كنت أتقي ... ثلاث شخوص كأعيان ومعصر)
ولعل فيما أسلفنا من شعر أبي الحسن ما يوقفك على اشراق لفظه ورقة معناه، والحق أنه تأثر بأبي نواس في أغراضه، وإن تخلف عنه جزالته، وعذره أنه كان يوزع جهده بين الشعر والغناء والتأليف، هذا إلى ثقافته الواسعة في اللغة والنحو والفلك فقد أثقلت عقله فلم يتمكن من التحليق كما تمكن الحسن بن هانئ، على أنه كان تشبيه بارع لا يتأتي للكثيرين كأن يقول:
ورق الجو حتى قيل هذا ... عتاب بين جحظة والزمان
أو يقول:
دليل في جوانبه حران ... فليس لطول مدته أنقضاء
عدمت مشارق الإصباح فيه ... كأن الصبح جود أو وفاء
وأحياناً يعمد إلى الفكاهة الماجنة، فيصوغها في خفة ودعابة إذ يقول: