مثله وأخذت أعد أكثر من مائة صوت لها وهو يعترف بجودتها، فقال لي أخيراً ما خلفت عريب امرأة مثلها في الغناء، فقلت له، ولا كثيراً مثلها في الرجال.
فأنظر إلى دفاع جحظة عن عريب وأقرلاته بما تعرفه عنه من تحامله على كل مغن وتنقصه لما يسمع من الألحان، جيداً كان أو رديئاً، قال أبو الفرج:(ومذهبه - أي جحظة - في كتاب الطنبوريين أن يثلب جميع من ذكره من أهل صناعته بما يقدر عليه من الثلب، وبما يعلم وما لا يعلم من الراي) وليس الكتاب بأيدينا لنستدل على ما ذكره صاحب الأغاني، ولكنه ثقة فيما يقول:
وكنت أتمنى أن يبقى الدهر على شيء من كتب أبي الحسن حتى نعرف طريقته في البحث والتبويب، فقد ألف كتابين في الطعام، وآخرين في الغناء، وكتاباً في التنجيم، وديواناً جمع أشعاره الكثيرة ولكن حظه النكد قد اضاع ثروته الأدبية ونحن ننظر إلى ما بقى من كلماته النثرية فنشهد له بالجودة كأن يقول في حمل مشوي: الشهيد بن الشهيد، ذهبي الدثار، فضي الشعار، وكأن يواسي رجلا سرق ثوبه فيقول: هون عليك فليس قميص يوسف، ولا برد النبي، ولا رداء الشباب، أضف إلى ذلك نكاته الفكهة كقوله عن دعوة حضرها: كل ما فيها بارد إلا الماء وأمثال ذلك كثير.
أما منزلته في الغناء فقد قال صاحب زهر الآداب: (إنه ممتد النفس حسن المسموع، طيب الصوت، إلا أنه كان ثقيل اليد في الضرب! ويذكر جحظة عن نفسه أنه وفد على المقتدر مع جماعة من المغنين فأعطاه مائتي دينار، وأعطى كنيزة ثلاثمائة، وأعطى غيرهما مائة، ومن هنا ندرك أنه كان فوق الوسط في صنعته، ولا سيما وقد أعترف أبن الرومي به - على عدائه له - فقال يهجوه:
ولو كان رديء الصنعة ما كان لصوته لذة، ولست أدرى السبب في تحامل أبن الرومي عليه، ولعله لما اشتركا فيه من التزاحم على الموائد، والشره في الأكل؛ فقد قيل في المثل العامي: الضيف يكره الضيف، وصاحب المنزل يلعنهما بلا انقطاع!! ويهمنا أن نتحدث عن شعره فنعلن انه لم يجر على عادة غيره من شعراء عصره فيرسل المدائح الطويلة،