وأنا أعتقد أن رجال الدين على جانب كبير من التقوى والصلاح وقد ينذر فيهم من تزن قدمه في وهدة الخطأ، فيأخذ البرءاة على كثرتهم بآثار المذنبين، ومن ذلك ما زعمه الجاحظ من أن فتياناً من تغلب أرادوا قطع الطريق على ركب يمر بهم ثم جاءتهم العين بأن السلطان قد عرفهم وجد في طلبهم، قال أحدهم فأحتجبنا في الدير فلما أملنا قال بعضنا لبعض: ما عنينا أن نشد القس بوثاق ثم يخلو كل واحد إلى راهبة عذراء، فأذا طلع الفجر تفرقنا في البلاد وكنا جماعة بعدد الراهبات فوجدناهن كلهن ثيبات قد فرغ منهن القس، فهذه قصة قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة، ولكن الشعراء قد ندووا بها أفضح تنديد فكان مما قيل:
وأفسق من راهب يدعى ... بأن النساء عليه حرام
إذا ما مشى غض من طرفه ... وبالدير في الليل منه عرام
ودير العذاري فضوح لهن ... وعند اللصوص حديث تمام
ولقد حظيت الراهبات بالروائع البديعة من شعر جحظة، وما ظنك بشاعر قضى عمره الطويل في تطلبهن بأديارهن فهو لا يفتأ يرحل إلى كل مكان عراقي يحللن به، ولولا فقره المدقع لا تنقل إلى الشام ومصر في تصيدهن كما فعل أستاذه أبو نواس وهو في غزله يعبر عن الواقع ولا يتعداه فيقول:
وظباء يتلون سفراً من الإنجيل باكرن سحرة قربانا
لابسات متن المسوح ثيابا ... جعل الله تحتها أغصانا
خفرات حتى إذا دارت الكأ ... س كشفن النحور والصلبانا
كما أنه كان يستعين بأصدقائه الموسرين على نفقات السفر وأجور الارتحال، ومن هؤلاء إبراهيم بن المدبر أحد ولاة الدولة وكتابها وسراتها، ولعل السر في صداقتهما الوطيدة هو اجتماعهما على حب عريب المغنية فقد جن إبراهيم بها جنوناً عارماً، وكان أبو الحسن من صنائعها المقربين فقد منحته الهبات الوافرة لانتسابه إلى سيدها وولي نعمتها الأول جعفر البرمكي، لذلك نجده يتحمس لغنائها، ويبالغ في مدحها على غير عادته، قال جحظة: قال أبو العباس بن حمدون: ليس غناء عريب مما يعتد به لكثرته، لأن سقطه كثير وصناعته ساذجة، فقلت له: ومن من مغني الدولة العباسية سلمت صناعته كلها حتى تكون عريب