الشاقة. وكلها من أشد المخازي إثارة للنفس واهتياجاً لها ودفعاً بها إلى الانتقام. ولو صح أن المأمور كان يطلب نوم الطاعنين بمركز البوليس كما يقول الشاهد الذي اعتمدت المحكمة شهادته، وكان هذان الطاعنان يتخوفان من تكرار ارتكاب مثل هذه المنكرات في حقهما كما يقول وكيل أحدهما في تقرير الأسباب وفي المرافعة الشفهية، فلا شك أن مثلهما الذي أوذي واهتيج ظلماً وطغياناً والذي ينتظر أن يتجدد إيقاع هذا الأذى به - لا شك أنه إذا اتجهت نفسه إلى قتل معذبه فأنها تتجه إلى هذا الجرم موتورة مما كان، منزعجة واجمة مما سيكون؛ والنفس الموتورة المنزعجة هي هائجة أبداً لا يدع انزعاجها سبيلاً إلى التبصر والسكون حتى يحكم العقل هادئاً متزناً فيما تتجه إليه الإرادة من الأغراض الإجرامية التي تتخيلها قاطعة لشقائها. ولا شك بناء على هذا أن لا محل للقول بسبق الإصرار، إذ هذا الظرف يستلزم ألا يكون لدى الجاني من الفرصة ما يسمح له بالتروي والتفكير المطمئن فيما هو مقدم عليه).
نظرة إلى الأمام
والآن وقد استدبرنا حياة اللغة القضائية كما كانت، واستعرضنا بعض الأدلة القائمة على نهضة حالية لا تنكر، نود لو استطعنا أن نزيح طرفاً من سجف المستقبل فنطل على ما يعده الزمن لهذه اللغة الكريمة العزيزة.
كأني بها وقد راق لها الجو وانبسط أمامها ميدان العمل فسيحاً غير محدود، كأني بها وقد استولت على مشاعر جيل جديد ممعن في الأدب وثقافة العصر، فراح يفكر فيها ويكتب ويؤلف، وكأني بهذا الجيل وقد ضرب بسهم في جهود البشرية نحو الكمال، وكأني بمصر وقفت على قدميها في طليعة العالم العربي تبادل الغرب ثقافة بثقافة وتبيعه علماً بعلم.