ولما جاء وقت الطعام تخيرنا لرقعة من الأرض خضراء ظليلة وتأهبنا للجلوس فنظرت الفتيات إلى الأرض مشفقات من البلل كأنما بقي ما يخشين على ثيابهن التي خططها الحبل بالوحل خضراء ظليلة فنشرنا لهن مناديلنا فان مناديلهن لا تصلح لشيء إلا للزينة. فجلسن عليها كالرماح استقامة، وكنا نشعر أنهن غير مرتاحات وأن الجلسة متعبة لهن، وأن خوفهن البلل ينغص عليهن ولكن ماذا كان يسعنا أن نصنع؟ ولو كان يسعنا أن ننقل لهن بعض أثاث البيت من سجاجيد وحشايا ومتكآت وما إلى ذلك لفعلنا. ولكنا لم نكن نعلم أنهن سيرتدين هذه الثياب التي تصلح للعرض ولا تصلح لرحلة على النيل.
وانحدرت الشمس قبل أن نعود إلى قصر النيل فكدن يبكين لأنهن تأخرن وكن على موعد مع الخياطة، فعجبنا لا تعادهن معها في يوم يخرجن فيه لمثل هذه الرحلة التي طلبنها وأردن أن تستغرق النهار كله. . . ولكن المرأة هكذا أبداً. . . تكون لها عين في الجنة وعين في النار. ولست ألومها أو أعيبها فأنها طبيعتها التي لا حيلة لها فيها، ولكني أرجو ألا ألام - وأن أعذر - إذا كنت أشعر بالحيرة والعجز في كثير من الأحيان عن الفهم الصحيح والتقدير المرضي المريح؛ واحسب أن الرجال جميعا مثلي جهلة مساكين. ولا شك أن المرأة يحيرها كذلك مالا تفهم من طباع الرجل وسلوكه، فالعجب بعد ذلك أن الجنسين يستطيعان أن يقنعا أنفسهما بأنهما متفاهمان، وأن كل شيء بينهما على ما يرام