للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو مزقت جلود الأحرار. عبثا ترتد مواكب الحرية بعدما حطمت السدود؛ ورفعت الصخور، ولم يبق في طريقها إلا الأشواك!

إنما هي جولة بعد جولة. وقد دلت التجارب الماضية على أن النصر كان للحرية في كل معركة نشبت بينها وبين العبودية. لقد تدمى قبضة الحرية ولكن الضربة القاضية دائما تكون لها. وتلك سنة الله في الأرض، لأن الحرية هي الغاية البعيدة في قمة المستقبل، والعبودية هي النكسة الشاذة إلى حضيض الماضي!

إن قافلة الرقيق تحاول دائماً أن تعترض موكب الحرية. . ولكن هذه القافلة لم تملك أن تمزق المواكب يوم كانت تضم القطيع كله، والموكب ليس فيه إلا الطلائع؛ فهل تملك اليوم وهي لا تضم إلا بقايا من الأرقاء أن تعترض الموكب الذي يشمل البشرية جميعا؟

وعلى الرغم من ثبوت هذه الحقيقة، فإن هنالك حقيقة أخرى لا تقل عنها ثبوتا؛ إنه لابد لموكب الحريات من ضحايا. . لابد أن تمزق قافلة الرقيق بعض جوانب الموكب. لابد أن تصيب سياط العبيد بعض ظهور الأحرار. لابد للحرية من تكاليف. إن للعبودية ضحاياها وعي عبودية، أفلا يكون للحرية ضحاياها وهي الحرية؟

هذه حقيقة وتلك حقيقة. ولكن النهاية معروفة والغاية واضحة والطريق مكشوف والتجارب كثيرة، فلندع قافلة الرقيق وما فيها من عبيد تزين أوساطهم الأحزمة ويحلي صدورهم القصب، ولنتطلع إلى موكب الأحرار وما فيه من رؤوس تزين هاماتها مياسم التضحية، وتحلي صدورها أوسمة الكرامة. ولنتابع خطوات الموكب الوئيدة في الدرب المفروش بالشوك، ونحن على يقين من العاقبة، والعاقبة للصابرين. . .

سيد قطب

<<  <  ج:
ص:  >  >>