العبيد هم الذين يحسون النير لا في الأعناق ولكن في الأرواح، الذين لا تلهب جلودهم سياط الجلد، ولكن تلهب نفوسهم سياط الذل، الذين لا يقودهم النخاس من حلقات في آذانهم، ولكنهم يقادون بلا نخاس، لأن النخاس كامن في دمائهم.
العبيد هم الذين لا يجدون أنفسهم إلا في سلاسل الرقيق، وفي حظائر النخاسين، فإذا انطلقوا تاهوا في خضم الحياة وضلوا في زحمة المجتمع، وفزعوا من مواجهة النور، وعادوا طائعين يدقون أبواب الحظيرة، ويتضرعون للحراس أن يفتحوا لهم الأبواب!
والعبيد - مع هذا - جبارون في الأرض، غلاظ على الأحرار شداد، يتطوعون للتنكيل بهم، ويلتذون إيذاءهم وتعذيبهم، ويتشوفون فيهم تشفي الجلادين العتاة!
إنهم لا يدركون بواعث الأحرار للتحرر، فيحسبون التحرر تمردا، والاستعلاء شذوذا، والعزة جريمة، ومن ثم يصبون نقمتهم الجامحة على الأحرار المعتزين، الذين لا يسيرون في قافلة الرقيق!
إنهم يتسابقون إلى ابتكار وسائل التنكيل بالأحرار، تسابقهم إلى إرضاء السادة، ولكن السادة مع هذا يملونهم ويطردونهم من الخدمة؛ لأن مزاج السادة يدركه السأم من تكرار اللعبة، فيغيرون اللاعبين ويستبدلون بهم بعض الواقفين على الأبواب.
ومع ذلك كله فالمستقبل للأحرار. المستقبل للأحرار لا للعبيد ولا للسادة الذين يتمرغ على أقدامهم العبيد. المستقبل للأحرار لأن كفاح الإنسانية كلها في سبيل الحرية لن يضيع. لأن حظائر الرقيق التي هدمت لن تقام، ولأن سلاسل الرقيق التي حطمت لن يعاد سبكها من جديد!
إن العبيد يتكاثرون نعم؛ ولكن نسبة الأحرار تتضاعف والشعوب بكاملها تنضم إلى مواكب الحرية، وتنفر من قوافل الرقيق؛ ولو شاء العبيد لانضموا إلى مواكب الحرية؛ لأن قبضة الجلادين لم تعد من القوة بحيث تمسك بالزمام، ولأن حطام العبيد لم يعد من القوة بحيث يقود القافلة؛ لولا أن العبيد كما قلت هم الذين يدقون باب الحظيرة، ليضعوا في أنوفهم الخطام!
ولكن مواكب الحرية تسير؛ وفي الطريق تنضم إليها الألوف والملايين. . وعبثاً يحاول الجلادون أن يعطلوا هذه المواكب أو يشتتوها بإطلاق العبيد عليها. عبثا تفلح سياط العبيد