(نعم. . . نعم. . . لديك موهبة الحوار. . . ولكن. . .!) وكانت. . . لكن. . . هذه تعصف بنفسه كما تعصف يد الطفل بعنق الكتكوت!. . . وقد قالها ناقد آخر غير المسيو هاب بعد أن قرأ قصة أبلغها الحكيم إلى خمسمائة صفحة، حيث قال:(أفكار كثيرة وموهبة في الحوار. . . لكن. . .!) فما كان من صاحبنا إلا أن مزق هذه القصة أيضاً!
هكذا كان الحكيم ينشئ فنه وأدبه. . . وكان له أستاذ في الفن، هو رجل فقير كان يقنع منه بأجر تافه لا يعدو الأكل والشرب (من أوسط ما يطعم هو ويشرب!) على أن يصحبه إلى المتاحف والميادين والمتنزهات، حيث يشرح له دقائق الفن ويبصره بأسراره،. . . وهنا تتحشرج الكلمات في صدر قلمي. . . لقد قتل الحكيم أستاذه هذا بعد أن استغنى عنه. . . لقد جاءه الرجل في ليلة عاصفة شديدة البرد وهو يرتجف. . . ويطلب دثاراً يقيه القر. . . (فلم أرد عليه بكلمة. . . ولكني أخرجت له ورقة مالية صغيرة وضعتها في كفه كأنه شحاذ، فرفع الشيخ قبعته شكراً وانصرف صامتاً. . .!) وإذا أحببت يا صديقي القارئ أن تدخل جحيم الحكيم فاقرأ هذه المأساة (ص ٧٤)، لأني لا أوثر أن أدخلها معك!
بصر هذا الرجل الفنان الذي كان يربي على الثمانين أديبنا العظيم بدقائق الفن، وأطلعه على أسراره، كما بصره المسيو هاب بالأدب الكلاسيكي كله، أو أحسن روائعه. . . فهل تدري من بصره بالموسيقى؟. . . إنها عجوز شمطاء. . . إنها أم المسيو أندريه الذي يقول لنا الحكيم إن هذا الكتاب الكبير الجميل هو الرسائل التي كتبها إليه من فرنسا إلى فرنسا. . . ومن الإسكندرية إلى فرنسا، ومن طنطا ومن دسوق إلى فرنسا أيضاً. فلقد كان الحكيم يجرها من المطبخ بفوطتها لتجلس إلى البيانو حيث تغني له من (كارمن) ومن (فاوست) ومن (أجراس كورنفيل). . . إلى أن عرف طريق دار الأوبرا والأوبرا كوميك ثم قاعات الكونسير (كولون) و (جافو) و (بادلو) فلم يعد إليها بعد ذلك قط! أي كما صنع مع الشاعر الفنان البرناسي تماماً. . . وهنا أيضاً تتفتح أبواب جحيم الحكيم، فاختر لنفسك أيها القارئ!
ولست أدري لماذا لا نشبها جذعة بين موسيقيينا وبين توفيق الحكيم بمناسبة جزاء سنمار الذي لقيته هذه الأستاذة العجوز على يديه بعد أن كانت السبب في معرفته الأوبرا والأوبرا كوميك والسيمفونيات وبتهوفن! أيها الموسيقيون المصريون اعلموا أن الأستاذ توفيق الحكيم لا يطرب لكم، بل هو يضيق بكم، فهو يقول، وتستطيعون أن تجدوا هذا الكلام في كتابه