وليس المهم أن نبرر تشريع الجهاد في الأديان فذلك التبرير يجب ألا يكون على أساس فلسفة الدين فحسب، بل على أسس من علم النفس الاجتماعي. وتشريع الجهاد ينطبق وروح الجماعات الدينية ويجري مع سلوكها الجماعي ومع طبيعة العوامل النفسانية (السيكولوجية) التي تصوغ تفكيرها واتجاهاتها وأوضاعها الدنيوية.
والجهاد لا يجد سبيله إلى سلوك الجماعة الدينية إلا إذا تعرضت عقيدتها الدينية إلى الخطر الداهم أو إذا تعرض كيانها الاجتماعي (وهو يشمل المصلحة السياسية والقومية والاقتصادية) إلى الاضطهاد والمذلة. وهذا مثل آخر على تأصل الوظيفة الاجتماعية للدين في السلوك الإنساني.
فمسلمو شمالي أفريقيا والمغرب العربي في هذه الأيام في حالة جهاد وإن عجزوا عن حمل السلاح لأسباب قاهرة. فالخطر هناك لا يقتصر على تعريض الكيان الاجتماعي لمسلمي الجزائر ومراكش وتونس إلى خطر الانهيار والزوال، وإنما يمس صميم التعاليم الدينية وجوهر العقيدة المحمدية.
ولقد أدرك الفرنسيون الوظيفة الاجتماعية للدين الإسلامي في سعيهم لفرنسة مسلمي شمالي أفريقيا فلم يتقيدوا بأساليب الاستعمار التقليدية التي توجه كفاحها الأكبر ضد الوعي السياسي والنضوج الاقتصادي، وإنما عملوا على النيل من صميم العقيدة والتعاليم الدينية للمسلمين هناك لعلمهم بأن الإسلام وهو دين عملي لا بد وأن يوفر لحركة التحرر الوطني ذخيرة قوية تحارب بها ذلك الاستعمار. وغزوة الصهيونيين لفلسطين لم تتم لو لم تشترع القيادة الصهيونية العليا (الجهاد) في أدق وأوسع معانيه.
وليس المقام هنا لبحث علاقة الدين بالقوميات والإصلاح السياسي - فكاتب هذه السطور يأمل أن يستطيع التفرغ لدراسته عما قريب - وإنما ضربنا المثل به هنا للدلالة على أن العقائد الدينية في تشريعها للجهاد والحرب إنما تفعل ذلك دفاعا عن كيانها الديني ووظيفته الاجتماعية. وهي والحالة هذه لا تحتاج إلى تبرير أو اعتذار وشأنها في ذلك شأن أي جماعة من الجماعات الإنسانية الأخرى - السياسية والاقتصادية والإيديولوجية أيضاً - لتي تعلن الجهاد في أنواعه المتعددة مسلحا وغير مسلح دفاعا عن مصالحها ومبادئها وكيانها.