يصوغها كما يشاء كيانه، وبنيته النفسية الخاصة، حر في فلسفته الشخصية التي ينظر بها إلى الحياة والكون في حدود الإطار الذي يتحرك فيه الجميع، متعاونين غير متصارعين، وحر في اختيار العمل الذي يناسبه ويشعر أنه ميسر له).
(وإن إنكار حق الفرد الممتاز في القيادة والتوجيه لجريمة مزدوجة، فهو أولا يبدد طاقة بشرية من نوع نادر ممتاز كان يمكن أن يستفيد بها المجموع لو أتيحت له الفرصة المناسبة، وهو كذلك يظلم هذا الفرد حين يعامله معاملة الأفراد العاديين، بدعوى المساواة المطلقة بين الجميع، فطالما أن الناس مختلفون في طاقاتهم الفردية، واستعداداتهم الجثمانية والفكرية والنفسية فدعوى المساواة المطلقة خرافة حمقاء)
وهذه صورة ثالثة للإنسان في وضعه السوي رسمها له الإسلام
(النظام الصالح هو الذي يوازن بين الفرد ومصالحه، وبين صفتيه المكونين له، كفرد مستقل، وعضو في جماعة، كما يوازن بين الجيل الواحد والأجيال المتعاقبة في نطاق الإنسانية الشاملة الرحيبة)
(إن مجرد الإسلام يعطي المسلم حصانة من الاعتداء على كرامته الإنسانية، وحقوقه البشرية، وأنه حين يكرم الفرد إنما يكرم المجتمع بأكمله)
وهل كان الفرد إلا ذرة في المجتمع الذي يعيش فيه؟
(لذلك يعني الإسلام عناية شديدة بكل فرد على حدة، لأنه الوحدة التي ينشأ المجتمع من اجتماعها بغيرها من الوحدات، واللبنة التي يقوم عليها البناء)
وحينما يتحدث عن الجريمة والعقاب، يقارن بين الأمم، التي تقدس حرية الفرد وتعتبر أن المجتمع هو المسئول عن جرائم أفراده، والأمم ذات النظم الجماعية (التي تبالغ في الحط من قيمة الفرد ولا تعترف له بكيان مستقل فتقسو تبعا لذلك في الحكم على جرائمه). والإسلام الذي يوائم بين الفرد والجماعة فلا يميل مع الفرد على حساب الجماعة. ولا مع الجماعة على حساب الفرد. وإليك قوله فيه
(أما الإسلام فله رأيه في الجريمة والعقاب، ينفرد به بين نظم الأرض، ويمسك فيه بميزان العدالة المطلقة بقدر ما يمكن أن يتحقق في دنيا البشر - فلا يسرف في تقديس حقوق الجماعة ولا يسرف في تقديس حقوق الفرد. . . . وذلك تبعا لنظريته المتوازنة التي ينظر