ناحية أخرى أن يستجيب أهله إلى ما يخالف نظمه وأحكامه التي جرى عليها المسلمون منذ قام صاحب الهجرة صلوات الله عليه فوضح للناس الدين حكما وعملا باسم الله فاطر السموات والأرض وفاطر الناس. هنالك ذهب دعاة الغرب مذاهب، وانقسموا طرائق، فيما يدعون إليه، وكيف يحملون الناس عليه
فمنهم من نظر فإذا القوة بيده، ولاه الناس إياها في ثقة به وغفلة عن نيته، فرآها فرصة سانحة قد لا يؤتيه الزمن مثلها لحمل الناس على ما يريد، وتحقيق ما كان يتمناه من زمن بعيد، فحمل قومه على غير الدين، بنفس القوة التي ائتمنوه عليها للدفاع عن الدين. واشتط حتى كان يشنق في سبيل القبعة، ويحبس ويجلد في سبيل السفور والاختلاط؛ ولم يقف حتى جرد الدولة عن الدين. وحال في أمته بين الإسلام وبين الحكم الذي هو أخص خصائصه، وحتى استبدل بأحكامه أحكام أوروبا في الميدان الذي لم تكن أوروبا لتطمع في غزوه: ميدان الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وتوريث. وشاءت رحمة الله ألا يطرد النجاح لهذا الصنف من المفتونين ممن أراد حمل الناس على سنن الغرب بالقوة رغم الدين، فكان من هؤلاء من أفلح قومه في الثورة عليه غضبا لدينهم حتى أنزلوه عن عرشه وشردوه عن بلده، فكان فيما لقيه من الهزيمة والتشريد بعض العزاء للمسلم الذي ينظر إلى ما يجري في أقطار الإسلام الأخرى من بعيد، وشبه إنذار لمن عساه أن تحدثه نفسه بسلوك نفس الطريق. فوقف الخطر من هذه الناحية وإن كان يخشى أنه لم يزل، إذ يخشى أن يكون هذا النوع من الخطر كامنا في بعض الأقطار ينتظر الفرصة ليشب كالنار
على أن مقلدة الغرب والمتحمسين له ليسوا كلهم ممن يستطيع أو يرجو أن يستطيع أن يحمل الناس على خطوات الغرب بالقوة. والذين ليس بيدهم القوة من دعاة الغرب لم يحملهم فقدان القوة على ترك السعي إلى غرضهم، بل هم دائبون ناصبون في سبيله لكنهم يكيفون وسائلهم بما يلائم الظروف. صحيح أن جميع وسائلهم يصح أن تتلخص في (بث الدعوة) لكن سبيل الدعوة معبد لهم ميسر، فإن جميع ما يراه الناس ويسمعونه في ملاهيهم ومتروضهم، وجميع ما يقرأونه للتسلية لا يخلو مما يتألفهم إلى ما ينافي الدين ويبث فيهم روح الغرب الماجن من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون؛ فالأغاني بألحانها ومعانيها المتهالكة، والراديو بما يذيعه من مهازل المسارح ومماجن الصالات، والسينما بما تعرضه