من روايات صنعت في الغرب لتمثل فيما تمثل نواحي الشهوات فيه بما يغري بها الناس، والمجلات والجرائد بما تنشر من قصص غير طاهر وصور غير نقية منقول أكثرها عن مجلات الغرب وجرائده من غير نظر إلى الشرق وإلى البلاد الإسلامية منه على الأخص - كل هذا وكثير غيره يعمل عمله في النفس المسلمة الناشئة وغير الناشئة فتضعف من روح التدين فيها، وتمهد للغرب ودعاته سبيل الاستيلاء عليها
هذه العوامل في ذاتها خطر كبير، لكن لا يزال هناك في المسلمين شعور بأنها خطر، وأن من الواجب مقاومتها والعمل على تلافي آثارها. صحيح أن هذا الشعور أكثره كامن لا يبدو إلا حينا بعد حين، وإذا ظهر قويا فترة عاد إلى مكمنه فترات، لكنه على أي حال شعور سليم، وهو على كل حال موجود منتشر، ووجوده هو معقد الأمل والرجاء أن يصير يوما ما قوة دافعة تدفع هذه الكتل البشرية الإسلامية في طريق الإسلام لتحيا في بلادها حياة مسلمة، ولتقيم على الأرض مرة أخرى دولة لا يكون الحكم فيها إلا لله العلي الكبير
لذلك كان الخطر الأكبر والشر الأعظم هو ما اتجه إليه دعاة ما يصح أن يسمى باللاإسلامية، من تخدير هذا الشعور الإسلامي وإضعافه ثم إطفائه لما أوجسوا منه خيفة، ورأوا في إحساس المسلم بفرق ما بين تعاليم الغرب وتعاليم الإسلام، عقبة العقبات في سبيل دعوتهم التي يبثونها والتي ما فتئوا يوهمون الناس أن الخير كل الخير فيها. فتقت لهم حيلتهم ولطف كيدهم أن ينيموا هذا الشعور ويزيلوا هذا الإحساس فاتخذ كل منهم سبيلا إلى نفس الغاية، أو بالأحرى لم يدعوا سبيلا إلى تلك الغاية إلا سلكوها.
فمنهم من جعل يوهم المسلم المحافظ المتحفز للمقاومة أن المقاومة غير مجدية. وان روح العصر لاشك غالب. ففيم المغالبة والأمر مفروغ منه والنصر مكتبو لأهل الرأي الجديد من الجيل الجديد؟ وهذه طريقة قد آثرت في كثيرين بل قد أفلحت مع بعض من كان يظن انه اعقل وابصر من أن يجوز عليه هذه الخدعة من أهل القلم من المسلمين، فكتب حديثا ييئس فئة الشباب المتمدين في حركتهم الدينية الحديثة ضد الاختلاط، لا لأن الاختلاط عنده صواب ولكن لأن وقت المقاومة قد فات، إذ الاختلاط قد بدأ منذ خمس عشرة سنة أو يزيد! ولو كانت هذه الحجة على أساس من الحق لما أصابت الدعوة اللاإسلامية شيئا من النجاح، لأن عمرها كله لا يزيد على ربع قرن، ومع ذلك لم ييأس أهلها أن يبدءوها برغم القرون