للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عجب إذا نسيت أن على أكتب مقدمة موجزة في بضع صفحات، لا دائرة معارف في عشرات من الأسفار المطولات:

ورأيتني أستعرض - عن غير قصد - طائفة من أمال هذه الأسطورة العربية الشائقة التي أثبتها المؤلف المفضال في كتابه النفيس، متمنياً أن تعاون معه طائفة من أعلام القصة لاستغلال أمثال هذه الأسطورة العربية البارعة، بعد أن تظاهرهم طائفة من كرام الباحثين على درس هذا التراث الحافل، وتعرف رموزه وحل معمياته، وتجلية ما غمض من حوافيه وأسراره، وأن يُعنوا بإحيائه كما عنى غيرهم من شعراء الغرب وأعلام كتابه وباحثيه، وأفذاذ علمائه وقصاصيه، باستغلال ما ظفروا به من الأساطير الإغريقية وما إليها من أساطير الأمم القديمة.

ولم أتمالك أن شكرت للمؤلف عنايته المحمودة بهذا اللون الفكري البديع. ورأيتني أجري على عادتي في التعليق على هامش ما أقرأ من نفائس الكتب.

وأنثالت المعاني والصور وتتابعت، حتى خشيت - كما أسلفت - أن تدفعني إلى تأليف سفر ضخم. فاجتزأت بإثبات بعض ما قاله (المعري) في هذه الشجرة المحظوظة التي أطلقوا عليها (ذات أنواط)، فقد أشار إليها في رسالة الغفران إشارة نافعة حين عرض للحديث عن أشجار الفردوس فقال:

(وذات أنواط شجرة كانوا يعظمونها في الجاهلية. وقد روي أن بعض الناس قال: يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط).

وهنا قبس (المعري) قول أحد الشعراء:

(لنا المهيمن يكفينا أعادينا ... كما رفضنا إليه ذات أنواط)

وفي بعض هذا دليل على ما بلغته ذات أنواط من خطر الشأن ورفعة المنزلة.

وقد شغل المعري - في أكثر من موضع من نفائس كتبه - بهذه الشجرة، التي ظفرت - على حقارتها - بمثل هذا التكريم، وأفردها الحظ بما لم يظفر به غيرها من إجلال وتعظيم، فأضفى عليها عبادها من القداسة هالة باهرة، فتنتهم وسحرت ألبابهم واستعبدتهم. فأكبروا من أمرها ما صغر، ومجدوا من شأنها ما حقر، ولم يكتفوا بعبادتها في جاهليتهم، فراحوا يكاثرون الرسول صلى الله عليه وسلم بها، ويطلبون إليه أن يهيئ لهم شجرة تماثلها

<<  <  ج:
ص:  >  >>