وتساميها في قداستها وشرفها.
وهكذا أدركها الحظ - على عمقها من الثمر - كما يدرك بعض الأغمار التفهين من الناس، فيضفي عليهم ألواناً من النباهة والرفعة، على ما ركب في طباعتهم من العقم والحقارة والعجز.
وفي هذا يقول المعري:
(والجد يدرك أقواماً فيرفعهم ... وقد ينال إلى أن يُعْبَد الحجرا
وشرفت ذات أنواط قبائلها ... ولم تباين - على علاتها - الشجرا)
وكانت (ذات أنواط) سمرة (شجرة طلح)، لا تكاد تختلف عن تلك السُمرات الشائكة الثلاث التي كان الجاهليون يتخيلون معبودتهم (العزى) قادمة عليها في صورة حبشية.
ولا تختلف عن السمرات التي أشار إليها امرؤ القيس في معلقته حين قال:
(كأني غداة البين، يوم ترحلوا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل)
وشجر الطلح معروف، وقد أشار إليه المرحوم شوقي بك حين قال:
(يا نائح الطلح أشباه عوادينا ... نأسى لواديك؟ أم نأسى لوادينا؟)
كما أشار إليه (المعري) ونبه إلى إجداب هذا الشجر، وعقمه من الثمر، في قوله:
(وأبغضت فيك النخل، والنخل يانع ... وأعجبني - من حبك - الطلح والضال)
وقد ألف العرب أن يطلقوا على شجرة الطلح (أم غيلان) وإلى هذه الكنية أشار (المعري) في تهكم بارع:
(سل أم غيلان الصموت عن ابنها ... وبنات أوبر، من أبوها أوبر؟)
- ٢ -
والطلح - فيما يعلم القارئ - شجر عظام من شجر العضاه، الذي لا يثمر غير الشوك، ترعاه الإبل إذا أعوزها الزاد، فلا تكاد تستسيغه إلا مضطرة، وقلما تسلم من غصصه وعلله. فلا عجب إذا اتخذوه رمزاً للشر، وصاغوا من (السُمرة) لفظ: (السمرْ مرة): لقب الغول، وجعلوا من شجرها مزاراً لتلك الشيطانة الحبشية الغضبى التي تقدم السمرات الثلاث - كما تمثلها الأسطورة - نافشة شعرها، واضعة يديها على عاتقها، تحرُق الأرَّم (تحك أنيابها حتى يسمع لها صريف) من شدة الغيظ.