فلا عجب إذا استخرج العرب - من هذا الشجر وثمره - ألفاظاً تدل على طائفة من معاني الشر، فاشتقوا الطلاح (الفساد) من الطلح، كما اشتقوا من ثمره الشائك ألفاظاً منطوية على طائفة من معاني السحر والإفك والكذب والأذية.
فإذا سأل القارئ:(ولماذا خصوا هذه السمرة بهذا اللقب؟ وكيف أطلقوا عليها: (ذات أنواط)؟ همس في أذنه بعض مؤرخي العرب، ومنهم (ابن الأثير).
(إنها سميت كذلك لأن المشركين كانوا ينوطون بها سلاحهم (يعلقونه) ويعكفون حولها).
وربما همس في أذنه بعض الباحثين:(إنهم أطلقوا عليها ذلك اللقب، لما تميزت به مما كان يتدلى من أغصانها الكبيرة من أنواط).
والنوط - كما يعلم القارئ - هو القفة الصغيرة التي تحمل ثمار هذه الشجرة، السامقة العقيم.
- ٣ -
وهكذا أسلمتني هذه الأسطر القلائل إلى طائفة من التأملات أزاحت ما كان مستولياً على نفسي من السآمة والملل، ونفضت عني غبار الفتور والكسل، وأعادت إلي النشاط، فأقبلت على الكتاب أقرأه من أول سطوره، متنقلا بين فصوله الشائقة، من صفحة إلى صفحة، حتى انتهيت إلى خاتمته، وأنا شيق إلى الاستزادة من حديث هذا الباحث الموفق المثمر الذي لا يمل البحث، ولا يمل قارئه من متابعته في عوالمه الفسيحة.
ورأيت المؤلف يتنقل بين مجاهل التواريخ التي طويت على مر الأزمان، وعفي عليها تطاول الأمد ذيول النسيان، فلم يبق الدهر - من آياتها وحقائقها وأحداثها - إلا ظنوناً وأحداساً وأخيلة، لا تكاد تثبت على الاختبار والبحث. ثم لا يزال مؤلفنا يتنقل في فصوله الشائقة حتى يبلغ المدى من رحلته الفكرية، وينتهي إلى عصرنا الحافل بألوان من الحقائق، تكاد - لغرابتها - تفوق عجائب الخيال.
- ٤ -
وهكذا صحبت المؤلف وهو يتابع الإنسان، منذ أقدم العصور، حين كان يقيم مع قبيلته بين الأشجار، وفي الكهوف وقد اكتسى جسمه بشعر كث يصارع الوحوش ويطاردها في