يحس في وجهه ما كان يحس في وجه تيودور رويسل من عطف ومحبه وإخلاص، وما لبث أن وجده يعنف عليه كأشد ما يكون العنف، فيحبسه في حجرته ويتهدده بالعصا، الأمر الذي أغضبه أشد الغضب وكره إليه الغلظة والعنف ونفره من العقوبة البدنية ومن صور القسوة جميعاً طيلة حياته؛ كتب بعد ذلك في مذكراته يشير إلى هذا الحادث فقال (حبسني سنت توماس أولا في حجره ثم جاء يتهددني بالضرب بعصاه، ولست اذكر الذنب ولكنه كان أمراً لا يستحق العقاب البتة؛ وعندئذ ذقت شعوراً مخيفاً هو مزيج من الغضب والاحتقار والاشمئزاز، ولم يكن ذلك نحو سنت توماس فحسب، ولكن نحو القسوة التي يتهددني بها كذلك).
وأكبر الظن أن مربيه ما فعل هذا إلا لإهماله وانصرافه عن الدرس، وعناده إذا دعاه إلى العمل؛ ولم يتجن عليه سنت توماس فهذا أحد لداته قد تحدث عنه وعن أخوته فقال:(يرغب نيقولا في التعلم ويقدر عليه، ويقدر سيرجي على العلم ولكنه لايميل إليه، ويميل ديمتري ولكنه لا يقدر، أما ليو فإنه لا يقدر) ولكن مربيه على الرغم من ذلك موقن من ذكائه ومن موهبة فيه عبر عنها بقوله (إن لهذا الغلام رأساً. . . إنه موليير صغير).
وماذا كان في رأسه يومئذ حتى يسميه مربيه هذا الاسم؟ لعل مرد ذلك إلى نفاذ عينيه إلى ما تقعان عليه، ونفاذ بصيرته إلى أفعال أخوته ولداته من التلاميذ وتفطنه إلى خصائص كل منهم، فالغلام على حداثته يقظ مرهف الحس، دقيق الملاحظة للناس وللأشياء جميعاً.
وهو وإن لم يتجاوز الثامنة بعد، تطوف بقلبه الغض عاطفة الحب، ولم يكن هذا الحب الجديد كذلك الذي يحسة نحو العمة تاتيانا أو نحو غيرها ممن أولوه مودتهم وعطفهم من أفراد الأسرة ومن الخدم، وإنما كان حباً كذلك الحب الذي قلما خلا منه قلب فتى أو فتاه في ربيع العمر؛ ويميل بعض علماء النفس إلى عد هذه العاطفة في مثل هذه السن الباكرة دليلاً على الموهبة الفنية، ولذلك يرجى لصاحبها أن يكون في غده من الأفذاذ. . .
أحب ليو تلك البنت الصغيرة التي عاشت بين أفراد الأسرة في كنف عميدها الكونت وكانت تسمى اسْلنيف، وأحب في موسكو غلاماً صغيراً من أبناء عمومته منالبوشكين، وقد بلغ من حبه إياه أنه كان ينعقد لسانه إذا وجد نفسه تلقاءه من فرط إحساسه بعاطفته؛ وكذلك أحب بنتاً لا تكبره في العمر جميلة زرقاء العينين تدعى سونشكا، وكان يشعر بين