للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عبده، والقاسمي، والشيخ طاهر، والألوسي، وسعد، ورشيد رضا، وشكيب أرسلان، والرافعي وأمثالهم - أفاق منها من أفاق، فنهض وفتح عينيه من لم ينهض، وقال كلٌّ كلمته، فوقعت المعركة بين الداعين المصلحين والأدلاء الجاهلين، وانقسم الناس بينهم انقساماً؛ فكانت بلبلة، وكانت جلبة، وكان اضطراب، ولكن القافلة تمشي. . . تمشي على الطريق لأنها أفاقت، ومن أفاق وانتبه لا يتبع دليلاً جاهلاً

إن هذه النَّبتة على قوتها مختفية بين مئات من الأعشاب الجافة التي بقيت من الموسم الماضي، إنها ستشق طريقها من بينها وتحيا من دونها، لأن النبتة الجديدة أمُّ المستقبل: نصيبها الغد، وتلك الأعشاب بنت الماضي فستذهب مع الأمس إلى غير ما رجعة. إن صوت النهضة الجديدة، صوت الحق، ضائع الآن في الصيحات التي تُدوّي اليوم في الأسماع صدى للأصوات الماضية لا يلبث أن يخفت، لأن الصدى ينتهي، أما الصوت فإنه يبدأ

هذه النهضة واضحة، فآمنوا بها يا شباب، وانظروا إلى الحياة من ناحية الأمل المشرق الواسع لا من جهة اليأس الضيق القاتم

إن شبابنا متشائمون: اقرؤوا قصائد الشعراء من الشباب، إنها مليئة بالآلام، مغمورة بالكآبة، غارقة في الدموع. اسمعوا موسيقى الشباب كلها بكاء، كلها نحيب: يا لوعتي يا شقايا، ضاع الأمل من هوايا. . . فما لشعرائنا وموسيقينا الشباب لا يرون في الدنيا لذة ولا سروراً؟ لم يبصرون ظلام الليل ولا يرون بهاء الشمس؟ لم يفكرون في وحشة الخريف ولا يفكرون في روعته؟ لم ينتبهون إلى عُري الشتاء ولا ينتبهون إلى خشوعه؟ إن كلّ ما في الدنيا جميلٌ بهيٌ ولكن في عين الشاب الصحيح القوي. أما المريض، أما المسلول المحطوم، فلا يرى إلا الظلام. فيا شبابنا داووا نفوسكم من سُلِّ اليأس

لقد استدار الزمان كيوم ظهر الإسلام، واحتضرت الحضارة وكادت تأتي عليها مادية الغرب، فتذهب بها كما كاد يذهب بالحضارة الأولى تَفَسخ الحكومتين الكبيرتين فارس والروم. إن العالم اليوم بين حجري الرحا التي تطحن المدنية، وتتركها هباء منثوراً كما تكهن ولِزْ. العالم بين مادية الغرب وحياته الحديد الآلية وروحية الشرق الأقصى وفناء الهنود في ما وراء المادة، ولا سبيل إلى النجاة إلا بالنهج السوي نهج الإسلام

<<  <  ج:
ص:  >  >>