أفلاطون، مثلا، يصف الفيلسوف بأنه شخص غايته معرفة الأمور الأزلية، أو الوصول إلى حقائق الأشياء، أو الارتقاء من العلم بشئون حياتنا الوهمية إلى إدراك مسائل الحياة الأزلية. وهو يصدر في ذلك عن نظرية عرف بها، نظرية المعاني أو المثل، التي ترى العالم المحسوس الذي نحيا فيه حياتنا الراهنة عالم أشباح زائلة، لحقائق أزلية أبدية لا تحس وإن لم يكن من المستحيل إدراكها إن اصطنعنا التأمل العقلي الخالص من أوهام الحس والبدن. فيصبح العلم بأمور هذا العالم تافهاً، في حين يصبح العالم الحق هو الإحاطة بعالم الحقائق الأزلية الروحية، وما ذلك العلم غير الفلسفة. بل نراه يقول:(الفيلسوف الحق هو ذلك الذي يسعى إلى انتزاع الروح من الجسد) ألا يلخص ذلك القول نظريته في العلاقة بين الروح والجسد التي ترى الإنسان لا مركباً من روح وجسم، بل تراه روحاً حلت عرضاً في جسد هو سجن لها ينبغي أن تتحرر منه؟
وشيشيرون، الخطيب الروماني، ينافح عن الفلسفة الرواقية التي تدين بالفضيلة غاية للحياة، وترى السعادة في الخضوع لمحتوم القضاء، والإذعان للقدر، والابتسام للخطوب، والرضا بواقع الأمور. ذلك أن الأمور ليست فوضى إنما هي وفق إرادة عليا خيرة عاقلة، ثم هي فضلا عن ذلك منبثة في أرجاء الكون، حالة في جنباته. حتى لتصبح السعادة شأناً من شئون النفس لا يتوقف على الظروف الخارجية، ولا يرتهن باعتدال الأمور أو تقلب الأحوال، إنما هي طوع أمرك إن ارتضيت حكم الإرادة الكلية، وازدريت اللذات الجسدية. ينافح شيشيرون عن الفلسفة الرواقية هذه، فهل نعجب حين يذكر في معرض الحديث عن الفلسفة:(أيتها الفلسفة! أنت المدبرة لحياتنا: أنت صديق الفضيلة وعدو الرذيلة، ماذا تكون حياة الإنسان لولاك؟!) أو حين يضع حدود المعرفة الفلسفية بقوله: (إن الفلسفة هي العلم بأفضل الأشياء، والقدرة على الانتفاع به لكل وسيلة ممكنة).
إن شيشيرون بقوله هذا لم يعرف الفلسفة بقدر ما عرفنا وجهة نظره الخاصة.
وأرسطو، المعلم الأول، يقسم الفلسفة إلى فروع عدة جميعها حكمة بيد أن (ما وراء الطبيعة) أحق تلك الفروع باسم الحكمة وهو يسمى علم ما وراء الطبيعة (الفلسفة الأولى) في مقابلة (الفلسفة الثانية) ويعني بها العلم الطبيعي. ويعرف الفلسفة الأولى بأنها العلم الإلهي الذي يبحث في الله، المحرك الأول، مسبب الأسباب وعلة العلل، ذلك أن دراسة الله