أليس الأدب أن تقبض على قلم وتفرش ورقة وأنت عارف كيف ترفع الخبر وتخفض المضاف، وإن حيرتك حروف الجر أو أدار عقلك وصل الجمل وفصلها؟ أما الذي يغشى الورقة فمما لا شأن للقارئ فيه. أنا أكتب، وأما أن فالقراءة القراءة، بل عليك أن تكبرني. لمه؟ لأني أكتب؛ لأني أديب. أين الشهادة بأني أديب؟ إن صحيفة كيت وكيت تنشر لي. إن لي كتاب كذا وكذا. . . ما شاء الله! ماذا تقول؟ (الأدب صناعة)؟ ها ها! الأدب وحي! الأدب زير يرشح وأنا الطست من تحته! أجل أنا أقرض الشعر وإن لم أقوم أوزانه! الشعر موسيقى وأذني دف تنقره وثبات روحي اللطيفة. أجل أنا أحلل فلسفة برجسون وإن لم أقرأ أفلاطون ولا بلوطينس ولا سبينوزا ولا دركايم. إني أتسلق الدار وأعف عن إتيانها من مولجها. أجل أنا أؤلف مسرحيات وإن لم أقرأ مسرحية إفرنجية واحدة. لا حاجة بي إلى من يدلني على الطريق. أنا (موهوب). أجل أنا أصف الصور والتماثيل التي في معارض الفن وإن لم ألمح من متحف (اللوفر) سوى طرفاً من سلمه. الأدب تهويل على الناس، يا صديقي. أجل أنا أنزلق إلى الغمز بمجمع اللغة العربية وإن لم أقرأ (القرآن) ولا (المخصص) ولا (مغني اللبيب) وإن جهلت كيف أطلب مادة أدب في القاموس المحيط. أنا أنشئ افتتاحيات سياسية، والسياسة مدرجة إلى كل شيء
الأدب غذاء!
أن تشرح روحي وتزيد في علمي وترهف إحساسي وتصقل إدراكي ثم تدفعني إلى حيث أفلت من قيود المادة، ذلك الذي أرقبه منك خاصة أيها الأديب. أما أن تقصر أدبك على الترويح عن نفسي كأنك ببغاء يسلي عجوزاً عن شمطها فلي عنك في ذلك غنى. أليس بين يدي (روايات الجيب) ومجلة (اللطائف) والصور المتحركة الأميركية و (الكسار) والمزمار البلدي ورقص البطن فضلاً عن القهوات وما يقع عليها من غرائب المخلوقات؟
كأني بك تكتب وتلقي في اعتقادي أنك ممن يقود فكري فتغويني وتفسد علي معنى الأدب. وإن قلت: إني لم أهيأ بعد لتلقي أسرار فنك لقعود فهمي عن النفوذ إلى مخبآت الضمير، فما رسالتك إذن؟ أترفعني إليك أم تنخفض إلي؟
خبرني، هل رأيت - حياتك - الزهرة تميل إلينا لنستروح شذاها أم هل رأيت البحر يأتينا