لا تحسبن عراب الخيل تشبهها ... ولا المهملج شبديزاً ولا عدسا
ثم علق على هذا البيت بقوله: إن شبديز فرس كسرى المشهور. كان من خصائص كسرى أبرويز أن الناس لم يروا أحداً في زمانه قط أمد منه قامة ولا أتم ألواحاً ولا أوفر جسامة ولا أبرع جمالاً منه، فكان لا يحمله إلا فرسه شبديز، وكان في الأفراس ككسرى في الناس، يضرب به المثل في عظم الخَلق وكرم الخُلق وجمع شرائط العتق. ولما مات شبديز لم يجسر أحد على نعيه إلى كسرى، فضمن صاحب الدواب (للفلهيد) المغني مالاً وسأله أن يعرض لأبرويز بموت شبديز!
فقال - وهو يغنيه بمجلسه -: (شبديز لا يسعى ولا يرعى ولا ينام)
فقال أبرويز:(قد مات إذن)!
فقال الفلهيد:(من الملك سمعت)
وليس من شك في أن (البلهبذ) في بيت البحتري هو نفسه (الفلهيد) في رواية الشنقيطي، وعليه يجب تصحيح رواية الشنقيطي بقول البحتري. والظاهر أن الشنقيطي نقل روايته عن كتاب أعمل فيه الناسخ يد المسخ والتحريف والتصحيف، ولم يفطن لها الشيخ ولم يتكلف تحقيق صحتها إذ لم تكن الفارسية من شأنه، ولا خفاء أن النقلة عن اللغات الفارسية والسريانية والعبرية وغيرها من اللغات القديمة طالما وضعوا (الفاء) في مكان (الباء)، كما عكسوا ذلك. وكثيراً ما أعجموا الدال وأهملوا الذال، وهكذا في المتشابه من الحروف. وهذا كثير غامر فيما وصل إلينا من آثار السلف
على أنني لم أرد بذلك نقد الأمير أو الغض من عالي منزلته وراسخ علمه، فهذا ما لم يخطر لي ببال، وإنما أردت الإيماء إلى شيء لا أشك في أنه مر كثيراً بالأمير أثناء مطالعاته ولكنه سها عنه عند إيراده بيت البحتري. والكمال لله وحده