إنك تعرف وتذكر من أمسياتي ومن ليالي هذه الساعات الطويلة يتبع بعضها بعضاً وأنت تفيض بالدفء على جبيني وبالنور على وجهي وقرطاسي وأنا مستغرق كما يستغرق الصوفي غيبوبة السعادة والمناجاة والتوجه، وهذه السطور والكلمات تلتوي وتنحدر ولا أشعر كيف تكتب ولا كيف يجري بها قلمي، ولكني أعرف كيف يمتلئ بها كياني وكيف يفيض بها قلبي وكيف يتحرق بها دمي. والليل ساج وليس من ساهر سواك وسواي، وأنا بالغيبوبة سعيد وبالليل سعيد
لقد ذهب العزيزان أيها المصباح فماذا أبقيا لقلبي؟
فرحت بهما حيناً من الدهر وأحببتهما الدهر كله وأقمت منهما وبهما القصور الشوامخ من الرجاء ومن بهيج الأمل، وكنت شاهدي وسميري حين أكتب إليهما في سكون الليل فأشد من عزم أحدهما وأهون له الأمور الصعاب أمنية بالرجاء والأمل، وأضع حياتي وقوتي وكدح نهاري وسهد ليلي له وحده، إنه أخي
وكنت شاهدي وسميري حين أكتب إلى أحدهما أقويه وأحييه وأبثه، وأرقب معه الحياة والصفو، وأجعل ما بقي من قوتي، وأجعل شبابي ومنامي ومقبل أيامي وهنيء عيشي بعد الكفاح المبذول والجهد الموصول، أجعل هذا كله منه وله؛ إنه حبيبي
كان سندي وكان محرابي وكان الواحة الهنيئة الحلوة المظلة في جدب أيامي، فانهار منه سندي وانهدم المحراب على العابد، وما خلته الواحة الهنيئة الحلوة كان السراب، وكان بردُ مائها العلقم. . .
قال لي وقلت: أصبر. فصبرت، حتى أفناني الصبر. وما صبر هو
أنت تعرف أيها المصباح الأحمر، إنهما كانا أخي وحبيبي.
أما أحدهما فقد خبطه الموت عشواء، وأما الآخر فقد خبطته الحياة، وللحياة خبط أشد مما يخبط الموت
لم أعد أكتب على ضوئك ودفئك أيها المصباح الأحمر رسائل الثلاثاء، ولا رسائل الأحد، ولا أكتب للغائب البعيد.
الذين أحببتهم ورجوتهم، والذين أناجيهم وأريدهم، وأناديهم وأفتقدهم، والذين قضيت عمري كله أرتقب قربهم ذهبوا لا يعودون، أحدهما بين التراب، والأخر أبعد من رفيع السحاب