الطرف كاسف البال مطأطئ الرأس مضطرب الخاطرة، وهو كان فتى طروباً يتنزى مرحاً وبهجة، ويتوثب سروراً وفرحاً. وعز عليّ أن ألمس سمات الأسى تضطرم في أغوار قلبه بشبابه وتغض من نضارته؛ وأن أحس لفحات الحزن تتأجج بين طيات ضلوعه فتذره ضعيفاً واهياً يتعبد
للجزع فتنحط قوته ويستذل للهم فيضوى عوده، وهو رجل فيه القوة والفتوة لا يعجزه أن يجد أسباب المتعة، وفيه العقل والثراء لا يؤوده أن يسري عن نفسه بعض أشجانها، وفيه الرأي والنشاط لا يهن عن أن يتلمس مسالك المرح
وجلست أنا إليه أنفضه بنظراتي وقد انعقد لساني عن الكلام لأنني شعرت بأن روحه غريبة عن روحي، وأن نوازعه لا توائم طبعي، وانطوت ساعة من زمان
وتكلم صاحبي بعد صمت فبدا لي كأن كلماته تصاعد من أعماق نفسه، أنات ينتفض بها قلبه الواهي، وهو يئن تحت وقر من الأسى يطحنه في غير شفقة ولا ورحمة، فقال: أما قصتي فهي:
لقد كانت هي فتاة قاهرية تتألق في ريق الشباب وتتألق في بهجة العمر، لم تسم إلى أوج الجمال ولا انحطت إلى قرار الدمامة شذبتها المدينة فنزعت عنها حماقات الجهل والغلظة، وصاغتها الحضارة على نسق من الرقة واللين؛ ووسمتها المدرسة بطابع من الدهاء والمكر، وصبغتها السبما بفنون من الأنوثة والدلال، فبدت كالزهرة الفواحة لا يحجبها الورق ولا يمنعها الشوك. أما أنا فكنت فتى بدوي الطبع ريفي الشمائل مدني العقل، أترفع عن خداع المدينة وأتنزه عن لؤم الحضارة وأسّمو على دنس الحيوانية
وتلاقينا على ميعاد، فراقني منها. . . أول ما راقني. . . أن أراها تشاركني الرأي في غير خضوع وتجاذبني الحديث في غير جهل. وعهدي بالمرأة في الريف تمعن في الحجاب فلا تجلس إلا إلى محرم ولا تتزين إلا لزوج، تعيش في زاوية من الدار هملا كأنها بعض المتاع، لا رأى لها ولا عقل. وأعجبني أن أحس في فتات الأنس والسكينة فعقدت العزم على أمر
وانطلقت إلىأبيفي القرية أنشر أمامه طوايا نفسي المشرقة وأحدثه بأمل قلبي الغض، فرمقني بنظرات فيها الشفقة والحنان غير أنها كانت تنطوي على معاني جياشة من