ـ الادب ـ تقليدا للطبيعة حقا، او هو نقل مباشر لها، لتقبلنا رأى افلاطون وسكتنا، ولتقبلنا رأى الاستاذ المعداوي وصمتنا، ولكن الفن ليس تقليدا للطبيعة فقط، كما انه ليس نقلا مباشرا فقط. انما يتدخل الخيال وتلج المهارة الفنية في ذلك الميدان لترفعه عن حضيض التقليد الاعمى الى قمة الخلق والابداع، وتقليد ما يتصوره الخيال، فيكون عمل الخيال ـ هنا ـ لا يعدو مجرد تقطير الاحداث الواقعية باستبعاد جميع نواحيها السخيفة. ولكن هذا وحده ـ كما يقول لاسل ابركرمبي ـ كاف لان يجعل الشعر (الادب) الناتج عن هذا شيئا مخالفا لتلك الصورة المنسوخة التي توهمها افلاطون نفسه، وجعلها سببا للطعن في الشعر، ونضيف نحن ايضا ان تقطير الاحداث الواقعية بواسطة الخيال كفيل لان يكون لنا شيئا مخالفا لتلك الصورة التي ننقلها نقلا مباشرا عن الواقع والتي يراها الاستاذ المعداوي مادة للواقعيين.
ولو سلمنا ان الفن تقليد للطبيعة او نقل مباشر لصور الحياة او ان الفن مرآة للواقع؛ كنا بذلك قد ابتعدنا عن الحقيقة بمرتبتين او ثلاثة ـ كما يقول افلاطون ـ انما الفن دفعه من النور تكشف لا عن مظاهر الحياة التي تألفها النفس وتلمسها العين؛ ولكن عن خفايا تلك المظاهر؛ عما وراء المظاهر، فظواهر الامور كثيرا ما تخفي شيئا (دسما) للفن، فالحزن في صورته الظاهرة تقطيب الوجه وتقارب الحاجبين مثلا، ولكن هل هذا هو كل الحزن الذي نشعر به؟؟. . . كلا. . . باستطاعة أي انسان ان يقطب وجهه ويقرب حاجبيه، ولكن هل يشعر هذا (الممثل) شعور ذلك المفجوع المكلوم؟!. . . على هذا، فهل من الانصاف ان ننصف الظاهر (الآلى) ونعرض عن تلك (الحرقة الاليمة) التي هي في الحق مشاعرنا التي تنتابها.
والادب كما يقول (كرمبي) توصيل يحدث بين المؤلف والقارىء، يعرض المؤلف ادبه بوصف مشاعره واحساساته وتبيان اثرها في نفسه، وهذه الاصداء النفسية هي التي تمثل (الذاتية) الاس الاكبر للرومانتيكية الابتدائية، ولكن الادب ليس كل ذلك، انما يراد للتوصيل ان يلج المؤلف ساحة اخرى هي (الموضوعية) وبذلك يرضي قارئة حتى يتقبل ذلك الادب، وحتى يتم ذلك التوصيل. والموضوعية كما نعلم ـ تخاصرالواقعية ـ وبذا تكون لنا في الادب جانبان هما الموضوعية والذاتية (ولكن كل منهما على حده لا يعبر عن