الضرر بالناقد والفنان على السواء؛ فهي تجعل الفنان يكره النقد ويحتقره، بينما ينبغي له أن يبدو لديه مفيداً قيماً. ثم إنها تحمل الناقد أحياناً على هجر النقد واللجوء إلى عمل أيسر، كأن يدلي بملاحظات عامة عابرة حول كتاب أو صورة أو عرض مفصحاً عن إعجابه بهذا أو مقته لذاك، دون أن يقيم الحجة على ما يرى. ولا يعدو هذا أن يكون تعليقاً خالياً من الدقة والتعيين؛ ولا يمكن اعتباره نقداً بالمعنى الصحيح، لأنه ليس تعليقاً على الإنتاج الفني وإنما على ذوق الجمهور. وما أشبه الناقد في هذه الحالة بصاحب الوليمة في العصور الوسطى عندما كان يتذوق أصناف الطعام قبل أن يقدمها لضيوفه ليتأكد خلوها من كل ما هو سام ومضر. وفي كثير من الأحيان نجد الناقد قد حاد عن إصدار حكمه على الإنتاج الفني، وعمد إلى مداعبة الفنان حول إنتاجه منهمكاً مرة ولاذعاً أخرى، ليضحك القراء بتلك الدعابة المستطابة لأنها لا تضر شخصياً سوى الفنان نفسه. فيغفل الفنان ذلك حانقاً لأن الناقد استخدم إنتاجه مطية لروح الدعابة عنده ولكن على الفنان قبل كل شيء ألا يعير هذا النوع من النقد المبتذل أي اهتمام. والحقيقة التي لا يمكن ابتكارها أن الفنان مهما بلغت درجة غروره أو ثقته بنفسه وعبقريته، ليظل في أغلب الأحيان يصارع شكاً مخيفاً يساوره حول إنتاجه، ولذلك كان أحوج ما يكون إلى نقد رفيق يدخل إلى نفسه قليلاً من التشجيع لأن ما يحتاجه فوق كل شيء أن يحظى إنتاجه بشيء من الجد الذي عاناه عندما شرع في خلقه. لسنا نطالب في الحقيقة إلا أن يقوم النقد بوظيفته الصحيحة، مشيداً بذكر جهود الفنان في حقل التراث الفني العظيم مهما كانت تلك الجهود متواضعة. أما إذا تناولها الناقد بالتهكم والتجريح والغض والسخرية، فإنه بذلك يدفع الفنان إلى الشك في قدرته وإمكانياته، ويحمله على الاعتقاد في قرارة نفسه بضآلة شأنه وتفاهة إنتاجه.
ولسنا نعدم وجود نفر من الفنانين الذين يتحلون بقدر وافر من روح الدعابة، ويتظاهرون بأنهم لا يقيمون وزناً للنقد اللاذع الجارح ولكنهم في الحقيقة يكرهونه ويحتقرونه، لأنه يؤذي شعورهم ويحز قلوبهم حزاً، ويوقعهم في أكثر الأحيان في هوة من اليأس المرير. ذلك لأنهم يظنون أن ما قيل فيهم، حتى ولو كان سطحياً تافهاً، يمكن أن يكون على جانب من الصحة، فهم بحكم الواقع لا يستطيعون أن يروا إنتاجهم عن كثب، ولا يمكنهم الاعتماد في ذلك إلا على الآخرين ينظرون إليه نظرة موضوعية مجردة عن كل هوى.