مثلاً فنان أصيل، مع أن آثاره تتخللها بعض الصفات التقليدية لمن سبقه من الكتاب.
أما الناقد الجيد فهو الذي يملك حاسة للنقد مرهفة يستشير بوساطتها انحدار التقليد الفني منذ نشأته. فبينما نجد الرسام مثلاً يركز جميع قواه على اللوحة التي أمامه، وعليها وحدها نرى الناقد عندما يصوب عليها أشعة نقده، لا ينظر إلى هذه اللوحة نفسها فحسب، بل يعتبرها جزءاً من الظواهر الطبعية الفنية جميعاً بين ما يقدمه الرسامون للناس من إنتاجهم كي يقيموا فيه موازنة عادلة. يقول المستر كلاتون بروك (ليست قواعد النقد قوانين يسنها البرلمان، وإنما هي في حقيقتها مجموعة أحكام الماضي) فمن شأن الناقد إذاً أن يلم بهذه الأحكام، وأن يحكم على الفنان في ضوئها. ولذلك يجب علينا أن نسلم هنا بضرورة وجود الناقد البارع وفوائده كشخص ينقل إلى الفنان تقاليد الماضي الذي هو أحد أجزائه، ويذكره دائماً بهذه التقاليد والأحكام، فيستطيع آنئذ أن يتفادى الأخطاء التي تردى فيها سابقاً.
ومن هنا تنشأ علاقة بنائية مفيدة بين الناقد والفنان. غير أن هذه العلاقة نفسها قد تكون هداية في كثير من الأحيان، وذلك عندما ينظر الناقد إلى الفنان نظرة تهكم وتسفيه وازدراء. وسبب هذه النظرة السقيمة يرجع غالباً إلى الملابسات الواقعية التي تكتب فيها أحكام الصحف الرائجة التي تجعل من المستحيل الإتيان بنقد جيد. ترى الناقد الفني مثلاً ينتقل بسرعة فائقة من معرض إلى آخر، يحاول أن يضع في خمسمائة كلمة حكماً على نتاج استغراق ثلاثة أو أربعة من الفنانين حولاً كاملاً. ثم ترى سبعة من الكتب تقدم إلى أحد النقاد فيه دفعة واحدة، ويطلب منه مراجعتها فيما لا يزيد على ستمائة كلمة خلال أسبوع من الزمن أو أقل. ومما لا شك فيه والحالة هذه أن ليس في استطاعته أي إنسان - مهما بلغ علمه أو ذكاؤه أو إحساسه - أن يقوم بعمل كهذا على الوجه الصحيح، إذ ليس من المعقول أن يفهم في عشر دقائق فهماً صحيحاً إنتاجاً شغل شخصاً آخر يضارعه ذكاء وإحساساً سنين من الجهد المتواصل. وهنا يشعر الناقد أنه لا يقوم بعمله على الوجه الصحيح، فيكره هذا الوضع ويرذله؛ والفنان بدوره ينقم منه ويزري عليه، لأنه يتقن أن الحكم الذي صدر حول إنتاجه كان سخيفاً سقيماً هزيلاً، فكيف لا يعافه ويتنكر له؟!
ولكن ليس من العدل في شيء أن ننسب هذه النقائض إلى الناقد أو إلى الفنان، لأنها عيوب نظام تجاري سارت عليه الصحف في النقد. ولكنها مع هذا وذاك عيوب سيئة، لأنها تلحق