للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جبروته. ويفرق واضحاً أمامها الحد بين الأمس المعلوم وبين الغد المجهول، فتتأرجح كلها بين الحياة والموت في لحظات رهيبة. . . ونبتون يطلق ضحكاته في الفضاء ساخراً!. . . ثم تنجلي العاصفة، وتسكن الريح، ويعود البحر هادئاً وادعاً أليفاً، ويداعب هذه الخلائق التي أرهقها غضبه وثوراته. . . وحينئذ تثوب النفوس إلى رشدها، وتعرف القلوب دناءة الأحقاد وصغارة المطامع، وتنقشع عن البصائر غشاوة الباطل وزور البهتان

أيها البحر العريق! يا أبا الأرض ويا أصل الوجود ويا معلم الإنسانية. . . أيها الحاجز بين القارات، أيها الواصل بين العوالم، يا من أجرت سحبك انهار الأرض، وأقامت أمطارك معالم المدنية. . . ويا من على سطحك جرت الفلك تحمل ثمار الحضارة. . . ويا من شهدت أعطافك جولات القراصنة، وسجلت أمواجك التحام الأساطيل. . . ويا من خشعت مياهك فأفسحت الطريق لبني إسرائيل ثم أطبقت على آل فرعون من القوم الظالمين. . .!

أيها البحر العظيم! لقد عبدك الأقدمون، ورسم أطيافك المصورون، وردد صدى أنغامك الشعراء والموسيقيون. . . انك هادئ صاف رائق. إنك ثائر عاصف عميق. إنك جميل أزرق. إنك مانع جامع. يقرأ الشاعر على صفحتك ما لا يسطره القلم، وما لا يقرأه الأميون من الناس. إنه ينصت إلى أساطيرك وقصصك. إنه يستلهم معانيك ووحيك، ويبهره جمالك وجلالك، فلا يطيق النظر إليك، ويغمض العينين دونك، وتشيع في نفسه رائحتك، وتمر في خياله ذكرياتك وصورك

حسن عثمان

<<  <  ج:
ص:  >  >>