للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بارتفاعها عمق البحر؛ وأولئك هم الصيادون والغواصون يجمعون اللآلئ والمرجان والأصداف والأعشاب من كنوز البحر وعجائبه؛ وهاتيك الطيور البيضاء تهبط إلى سطح الماء تلتقط الأسماك كانا تشكو عصف البحر، فتعلو في جوف الطيور إلى الفضاء؛ وهذه الجزر وتلك الصخور المتناثرة تحيطها مياه البحر، وتتكسر حولها أواذيه، ويتصاعد، على جنباتها رشاش الماء الأبيض؛ وهنا ينبثق نور الفنار المتألق، يشق حجب الظلام الحالك، ويرسل شعاع الأمل وسط الضباب الكثيف

ويبتعد السفين صوب البحر قليلاً قليلاً حتى يختفي الشاطئ عن البصر، ويتهادى أياماً وليالي طوالاً والأفق كله ماء وبحر، تلونه أطياف الشمس وأعماق البحر؛ فهو أزرق داكن، وطوراً أغبر مصفر. ويمر السفين فوق جوف البحر. إن قاعه أرض وصخور ووديان وجبال وبراكين وقارات وعوالم ساكنة ومتحركة في أعماقه منذ الأزل. إنه عميق جداً. لا يصل الإنسان إلى قراره. ولا يعلم أحد كل ما طواه في صدره. ما الذي طواه بالأمس، وما الذي سيطويه في الغد.

إنه يحمل الأطفال من البشر فوق سطحه الفسيح في رفق وحنو. إنه يجول بهم ويستقبل الشمس إذ تبزغ في الصباح وترسل نورها فوق محيطه الواسع، وتغرب عند الأصيل وهي تودعه بأشعتها الأرجوانية. وفي الليل الصافي الساكن تتلألأ السماء بالنجوم البراقة، ويبدو القمر هلالاً ساطعاً خلال السحاب الخفيف، فتنعكس أشعته الفضية على صفحته اللامعة، والنسيم يلمس أمواجه المهتزة المتلاقية. إنه هادئ وادع أليف. إنه يطرب. إنه يبتسم وينشد ويترنم.

وفجأة يكفهر الجو، وتتلبد السماء بالسحب، ويومض البرق نذير العاصفة، وتشتد الريح، ويقصف الرعد مدوياً، ويدفع الإعصار أمواج البحر شاهقة تطاول السحاب، ثم تعود فتنكسر وتهوي على صفحته الصاخبة. إنه غاضب. إنه ثائر عنيف. إنه جبار. إنه يدوي بصوته الغاضب إلى عنان السماء. إنه رائع. إنه هائل جداً. إنه يطوح بالسفن فوق سطحه، ويقذفها عالية فوق أمواجه، ثم يهبط بها في لجته السحيقة. إنها ألاعيب تحمل طرزاً من الكائنات ترتدي أثواباً زرقاء وحمراء وصفراء. إنها دمى يمحو البحر ما بينها من قرون اليابس، ويذيب عنها خيلاء الأرض. وكلها تتساوى وتصغر وتتضاءل أمام

<<  <  ج:
ص:  >  >>