الرجل الورع فينفث فيه الأسى واليأس، أو يوسوس له بالشر لأنه لم يرزق طفلاً، فصبر. . . صبر والزوجة البائسة تحس خواطر قلب زوجها فتتقلب. . . في صمت. . . على جمرات من الضيق أنها تخشى ثورة الرجل الذي أكرمها عاقراً سبع سنوات عجاف. وبدأت نفسها تتفلسف لسفه الفلاح حين يمسك بالفأس ليجتث أصول الشجرة التي لا تفئ ولا تأتي الأكل، فاضطربت وطار عنها القرار لأنها تضن الحياة النيعمة التي تسعد بها أن تنكفئ فتستحيل جحيماً أو تنفصم عروقها؛ وتضن بهذه الشمس المشرقة في أرجاء الدار أن تغيب في غمرات اليأس، وتضن بهذا الرجل الطيب أن يحور وحشاً يفترس. . . يفترسها هي في غير ذنب ولا جريرة؛ فانضمت على أسى وضيق، ولكنها توجهت بقلبها إلى السماء.
وعلى حين فجأة أثمرت الشجرة التي أقفرت عمراً طويلاً فأضاء وجه الرجل لمقدم الطفلة وأشرق النور في جنبات قلبه، وأضاء وجه المرأة وهدأت جائشتها؛ واستحالت حال الدار فأفعمها البشر وفاض بها السرور. وترقرق الأمل في عصب الرجل ونبضت الهمة في قوته، فانطلق إلى الحقل يحدوه الرجاء ويدفعه الأمل فأصاب مالاً على حين لم يغفل نزعات روحه السماوية.
ودرجت الطفلة وشبت، وإلى جانبها قلب أبيها يفيض بالحنان والرقة، ويده تفيض بالكرم والسخاء؛ وهو في عمله يستنفد وسع الطاقة في جد، ويبذل غاية الجهد في رضا، ومرت الأيام في هدوء رتيب يدفع الصبية غلى الصحة والنشاط إلى أن بلغت سن الشباب والأنوثة.
وفي ذات صباح - وعلى حين غفلة من أهلها - هبت الفتاة لترى الداء يتسرب إلى رقبتها فتتورم، ورأت الأم ورأى الأب، فأصابها الفزع. وطار الأب في - في ذعر - إلى حلاق الصحة. . وحلاق الصحة في القرية رجل فرض نفسه ليكون طبيباً يصف الداء ويسرف على العلاج، فهو يعبث بالمرضى كيف يشاء والحكومة في عمى عن أمره، ويستنزف الصحة والمال، لا يجد رادعاً من نفسه ولا يحس غلظة من قانون.
وجاء حلاق الصحة يداوي علة الفتاة على طريقته التي تتخبط في متاهات الجهل، ولكن الداء تأبى عليه فما أجدت حيلته ولا أصاب رأيه.