وأصاب الأب السهوم والضيق مما تلقى فتاته؛ فهو لا يرى إلا كاسف البال. مقطب الجبين. مضطرب الخاطر.
ونفد صبر الرجل من طول ما عانت ابنته فجلس إلى الحلاق يستوضحه خبر المرض الذي عز دواؤه، ويسأل النصيحة الخاصة بعد أن أجزل له العطاء، فقال الحلاق (إن في القاهرة طبيباً كبيراً هو سعادة فلان يستطيع أن يحتال للأمر بحيلته وبراعته وعلمه، فاذهب إليه علك تجد عنده شفاء ابنتك).
فقال الرجل (وماذا عسى أن يطلب مني أجر هذا العلاج)
قال الحلاق (أظنه لا يقنع بأقل من عشرة جنيهات)
وانطلق الأب من فوره يهيئ الجنيهات التي يطمع أن يشتري بها صحة وحيدته فما أسفر الصبح حتى كان يصحب ابنته في طريقهما إلى القاهرة يريد أن يمسح عن الفتاة قسوة الداء، وأن ينفض عن قلبه لفحه الحيرة.
وطرق الرجل باب صاحب السعادة الطبيب الكبير فانفتح له، ووقف الرجل المسكين أمام الطبيب الثري يشرح له عمر الداء ويتحدث عن لوعته وفزعه، في صوت يبكي بكاء الأب الملتاع يترجى وحيدته وفي خياله أنه يوشك أن يفقدها وهي بسمة الأمل في ظلمات الحياة. ونور القلب في مضلات العمر. وسمع الطبيب خفقات قلب الرجل وهو ينفض ذات نفسه في ذله وانكسار فما اهتز له ولا راق؛ ثم شمخ بأنفه في صلف وكبرياء وهو يقول (هذه العملية لا أرضى فيها بأقل من خمسين جنيهاً)
ودوت الكلمات في أذني الرجل الريفي الساذج فارتعدت لها نفسه ومادت به الأرض من هول ما سمع. وذهب يحدث نفسه (خمسين جنيهاً؟ خمسين جنيهاً كاملة ينالها رجل من الناس أجر ما يضع المشرط ثم يرفعه؟ هذا ظلم وتعسف وجور. . .) ثم صحا الرجل من ذهوله ونظر إلى الطبيب يحدثه في تضرع وخضوع (يا سيدي، إن ابنتي هذه هي وحيدتي التي أترجاها، وهي أمنية العمر وأمل الحياة، ولقد جاءت في جدب السنين وقفرها لتبذر في غراس الأمل والنشاط، ولتدفع عني عنت اليأس والضيق، وأنا رجل فقير ى أملك سوى عشرة جنيهات هي لك كلها) فابتسم الطبيب الكبير في سخرية وهو يقول (كلها؟ كلها؟) وفهم الرجل الطيب من الكلمات ما يبطن الطبيب، فقال (نعم، يا سيدي، كلها) وسخر