للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطبيب من عقل الرجل الريفي مرة ومرة ثم سخر مرة أخرى من المبلغ التافه الضئيل الذي يقدمه الرجل، سخر من هذا المبلغ وهو في نظر الفلاح شيء كبير لأنه يسد الخلة شهوراً وشهوراً. . . سخر الطبيب من الجرل ومن المبلغ ثم قال في جد (لا أقل من خمسين جنيهاً) والح الرجل يتوسل في أسلوبه الريفي على حين قد أوصد الطبيب قلبه عن لوهة الأب، ثم اندفع يهر في الرجل هريراً منكراً وهو يقول (نحن هنا لا نتصدق! نحن هنا لا نتصدق أيها الجلف! أخرج، أخرج فقد أضعت وقتي وجهدي سدي) وخرج الرجل من لدن الطبيب العظيم وقد انكسر خاطره وذوى أمله وتحطم قلبه. وخرج وما في مسمعيه سوى صرخات الطبيب العظيم وهو يعوي عواء منكراً (نحن هنا لا نتصدق. . . نحن هنا لا نتصدق)

وعجب الرجل أن يكون في الدنيا رجل لأرضي يتحدى بأرضيته الوضيعة. روحانية السماء السامية. فرفع بصره صوب السماء يدعو (إنك أنت، يا إلهي، الذي تتصدق علينا جميعاً)

وضاقت الأرض في عيني الرجل فلم يجد سعة إلا في المسجد، في المكان الذي يمسح عن نفس المرء خبث الأرض. وجلس هناك يستجدي ندى السماء حين أغلقت في ناظريه أبواب الأرض. جلس وإلى جانبه ابنته تعاني شدة الضنى نهكة المرض ووعثاء السفر فأخذتها سنة من النوم، واندفع هو في تضرعه حتى أرهقته النصب فاستسلم هو أيضاً للكرى.

ورفت عليهما الرحمة الإلهية تهدهد من أشجانهما ومن آلامهما وفزعت الفتاة من أحلامها - بعد لحظة - تتلمس موضع الورم من رقبتها فإذا هو ينفض ما فيه من دم وقيح، وأسرعت إلى أبيها توقظه ليمسح عن الجرح ما سال منه وقد سكن الورم.

يا عجباً! لقد انفتحت أبواب السماء لدعاء الأب المسكين فجاء المشرط الإلهي يبرئ سقم الفتاة التي ضن عليها الطبيب الأرضي بمشرطه إلا أن يرهق الأب بالمال الذي لا يجد إليه سبيلاً. وسمت سماوية الرجل الصالح على أرضية الطبيب الشره تمحقها، فارتدت الفتاة - في لمحة واحدة - تحس الراحة والهدوء والصحة.

فيا لسماوية السماء. . . يا لسماوية السماء!

<<  <  ج:
ص:  >  >>