للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأصل في الأدب أن يكون ثورة عقلية وذوقية، والأصل في طبيعة الأديب أن تكون قوة موحية، قوة تُعطى وتَمنح، وعنها تصدر أقباس الفكر وألوان الخيال

وليس معنى هذا أن يعيش الأديب عيش المحادة للمجتمع، فالمحادة المقصودة عناد بغيض، ولكن معناه أن يستقل الأديب عن الموحيات الخارجية، موحيات الظروف، بصورة تجعل أدبه من وحي الخلود

ويظن ناسٌ أن الكاتب المحبوب هو الذي يحدّث قراءه عما يألفون، وهذا خطأ في خطأ، وإنما الكاتب المحبوب هو الذي يمضي بقرائه إلى شِعاب من الفكر والروح والوجدان لا يصلون إليها بغير دليل. فمن غفلة بعض الكاتبين أن يأنسوا إلى العامية الفكرية، عامية الرأي المبذول بغير حساب على اختلاف عهود التاريخ. وما قيمة الكاتب إن لم يُشعر القارئ بأنه هداه إلى أفق جديد من آفاق العقل والروح، ولو بلمحة سانحة في أثناء الحديث؟.

يجب أن تكون للكاتب ذاتية عقلية وروحية، عساه يخلُق في القارئ وجداناً يحس به حقائق الوجود. فليس بكاتب ولا مفكر من يكون محصوله نُفاضة من أضابير زهد فيها العنكبوت

والأدب عند كل أمة وفي كل عهد سموٌ وعَلاء، أو هو التعبير الصحيح عن المطامح الكريمة في السمو والعلاء، ولهذا كان من أساسه الأصيلة أن يكون طريف الفكرة جميل الأسلوب

وليس المراد من طرافة الفكرة أن تكون رأياً لم يسمع بمثله الناس، لا، وإنما المراد أن يكون تعبير الكاتب عنها تعبيراً ذاتياً يجعلها من الطريف، بحيث لو تحدث عنها غيره لعُدت من الحديث المعاد

أما جمال الأسلوب فله عندي مقياس يخالف المعروف من المقاييس، والكاتب صاحب الأسلوب في نظري هو الكاتب الذي يشغلك بنفسك حين يوجه إليك الحديث، ومعنى هذا أن تبرز الفكرة بصورة قهارة ينسى فيها القارئ أنه في صحبة كاتب، ولا يدرك إلا أنه يواجه معضلات يعترك فيها العقل والوجدان. وهذه البراعة لا تتفق للكاتب ولا تنصاع إليه إلا بعد أن يكون إماماً في لغته، إمامة صحيحة كونتها الرياضات الطوال على الأداء المبين بالأسلوب الرشيق

<<  <  ج:
ص:  >  >>