للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شبهة لغوية

هي شبهة من يتوهمون أن اللفظة الفصيحة هي اللفظة المخدَّرة ويريدون بها اللفظة التي لا يعرفها سواد الناس، فالكاتب العظيم في نظر هؤلاء هو الكاتب الذي يتحامى المأنوس من الألفاظ، ويؤثر الألفاظ التي عاشت في المعاجم بقوة التحنيط وإن حُرمت الحياة منذ أزمان

وأنا لا أقيم وزناً لهذا الرأي، وأضيف أصحابه إلى الجهلاء، ولا يؤذيني أن يتهموني بالتسامح في اللغة، كما طاب لأحدهم أن يقول ذلك في إحدى المجلات

الألفاظ تتقاتل في سبيل العيش كما يتقاتل الناس، فينتصر فريق وينهزم فريق، ثم يجيء الكاتب الحصيف فيعانق اللفظ المنتصر، ويتقدم الكاتب المخذول فيعانق اللفظ المخذول

كان أحد أعضاء المجمع اللغوي - وهو السيد حسن القاياتي - أنكر عليَّ في مقال نشره في جريدة البلاغ منذ سنين أن أستعمل لفظة (يستأهل) بمعنى (يستحق) فكتبت في الرد عليه مقالاً بعنوان: (والله تستأهل يا قلبي)

واستعملت مرة كلمة (شافَ) بمعنى (رأى) فثار خلْقٌ من خلق الله وعدوني من المتسامحين في اللغة، فسألتهم عن (تشوَّف) وهي كلمة كثيرة الورود في قصائد التشبيب، ثم أكدت لهم أن العرب في جميع الأقطار يقولون: (شافه) بمعنى (رآه) وقد (شفتهم) بعيني!

أتريدون الحق؟

الحق أن النقد اللغوي غلبت عليه الصبغة الببغاوية، واليكم هذا المثال:

قضى علماء البلاغة نحو عشرة قرون وهم يقولون في مؤلفاتهم وفي دروسهم بأن المتنبي أخطأ في جمع بوق على بوقات حين قال:

فإن يك بعض الناس سيفاً لدولةٍ ... ففي الناس بوقاتٌ لها وطبول

وكان العجب كل العجب أن يتحامل علماء البلاغة على المتنبي نحو عشرة قرون، ولا يجدون من يهديهم إلى الصواب.

وأثني على نفسي (للمرة الأولى بعد الديشيليون) فأقرر أني تفردت برفع الظلم الذي عاناه المتنبي في تلك القرون، ولكن كيف؟

ليست البوقات جمع بوق، كما توهموا، وإنما هي جمع بوقة، والبوقة هي اللفظة الاصطلاحية في موسيقا الجيش العربي، كما تشهد نصوص رأيتها في بعض كتب التاريخ

<<  <  ج:
ص:  >  >>