وهنا أسوق فائدة لا أذكر أني رأيت من نبه إليها في كتب الصرف، وهي جعل التأنيث من صور التصغير، فالبوقة أصغر من البوق، والطبلة أصغر من الطبل، والبحرة أصغر من البحر، وقد بولغ في تصغيرها فصارت بحيرة
و (طُونس) الساقية في عُرف أهل الريف له وصلة يسمونها (الفرخ) إن كانت طويلة، ويسمونها (الفرخة) إن كانت قصيرة
وفي شوارع القاهرة نجد بائعاً يتغنى:
(حَبِّ العزيز الرُّبعة بقرش)
فما الرُّبعة؟ هي مصغر الرُّبع، بلا جدال
إن الصفة الببغاوية في النقد اللغوي أضرت باللغة وآذتها أعنف الإيذاء، فقد كتب كاتب في الرسالة ينقد استعمال كلمة (مَرِير) بمعنى مُر، وحجته أن المرير هو الحبل المحكم الفتل، ثم اتفق أن رأيت الشريف الرضي يستعمل كلمة المرير ويريد بها المر، فنظرت في أساس البلاغة فوجدت الزمخشري نص عليها بوضوح لا يحتمل الخلاف
وأنكر قومٌ جمع صناعة على صنائع، وألحوا إلى أن حملوا وزارة المعارف على تغيير اسم مدرسة الصنائع، مع أن لهذا الجمع شواهد تفوق العدَّ، وعلى أقلام كبار البلغاء
وأنكروا أن تنسب إلى الطبيعة فتقول طبيعي، مع أن العرب لم يقولوا طبَعي، ومع أن (فَعَلي) في (فَعِيلة) هو في ذاته شذوذ
والجرائد تقول (القتيل) وهي تريد القتيلة، لأن قائلاً قال بأن (فعيل) يستوي في التذكير والتأنيث، وهذا خطأ، إذا كان فعيل بمعنى مفعول، وهل أخطأ صاحب لساب العرب حين قال: رجل دفين وامرأة دفينة؟
ولم يفهم النحويون علة التذكير في آية (إن رحمة الله قريب من المحسنين) فعدوه تذكيراً أوجبته المجاورة ونسوا أن (قريب) في معنى الفاعل لا معنى المفعول
والمراد من الصفة الببغاوية في النقد اللغوي هو أن يحكي بعض الناس ما يقرءون حكاية الببغاوات. فأكثر ما نرى من اعتراض هو ألفاظ منقولة عن ناس تعرضوا للنقد اللغوي بلا بصيرة ولا يقين
لغة العرب لغة آبائنا وأجدادنا، فليعرف من لم يكن يعرف أن خطأنا فيها أفصح من