فوق رأسه تاج المملكة المتحدة يشع سناه في غبشة الصبح، فكأنما يملأ الآفاق ذَهَباً
لقد كانت ليلة طويلة دجوجية، تلك الليلة التي قضتها حتاسُّو بين وصيفتيها النائمتين الحالمتين، تفكر في مليكها الذي أقبل في المساء يودعها ويتزود منها لرحلة الغد إلى بلاد الحثيين. . . لقد كانت تراه ما يزال جالساً إليها يحدثها ويسامرها، ويرسل عينيه الحبيتين في عينيها المذعورتين، ويرسل معهما روحه فتعانق روحها، وقلبه فيتحسس قلبها، وشعوره الفائر، فيتحد بشعورها. . . ثم تذكر رنين صوته العذب الموسيقي يترقرق في أذنيها فيملؤهما بالأحلام، ورنين قبلاته الحارة الطاهرة تهمهم على فمها الشتيت الحلو فتحمل إليه سِرّ الخمر الإلهية التي لا غَوْل فيها ولا تأثيم. . . فتبكي. . .! ولم لا. . .؟ أليس من البكاء بكاء تحمل دموعُه رسالة الروح فتذهب بها إلى الله اللطيف العلي، فتكون عنده صلاةً ليس مثلها صلاة!! ذلك بكاء المحبين. . .
ورحل فرعون الشاب بأساطيله وجنده
ولكن طيبة العظيمة لم يدم لها هذا الصفو الجميل الذي ودعت تحت بنوده ملكها. . . ذلك أن أم العروس المصون شوهدت في فجر اليوم الثاني راكعة في المعبد الكبير أمام المذبح، بين يدي أمون رع، تبكي وتصلي، وتتوجع وتتصدع وتشكو إلى الله بثها الذي لم يعرف أحد سببه
وقد وقف الكهنة حولها في ذهول وخشوع، ولم يجسر أحد منهم أن يسألها عما ألم بها؛ بيد أن رئيس المعبد تقدم إليها آخر الأمر في أدب وضراعة، وربت قليلاً على كتفها، ثم مد يده الواهية المعروقة إلى يدها المرتجفة المحزونة، فنهضت وهي لا تكاد تعي مما يعصف بها من هم وشجو. . .
وسار الكاهن الأكبر بين يديها إلى صومعته؛ وكان الكهنة يتلون أوْراد الفجر وأناشيد الصباح فتهتز جوانب المعبد بحسن إنشادهم وروعة ترتيلاتهم، فتنهمر دموع الأم، وتقف أمام هذه الصورة، وبين ذلك التمثال باسطة ذراعيها، وداعية الآلهة، متمتمة بكلام خفي غير مفهوم. . .
- ماذا يا ابنتي! فيم مجيئك في هذه الساعة من الفجر؟ وفيم هذا البكاء وتلك الصلوات. . .؟ تكلمي. . .! ألست أباك؟