- صه أيها الخبيث ولا تحاول نبش أسرار الناس، فقد يقودك الحظ إلى هذه الحانة فترى الهناء يبسط أجنحته عليك وحدك، عليك وحدك، أفهمت أيها الخبير الفني بحقوق الاتصال؟؟
كلا لم أفهم بعد!! إنما يبدوا لي أن مفتاح سر تعاطيك المسكر والتدخين في شهر معلوم ثم انقطاعك عنهما، إنما هو مدفون في هذه الحانة التي لا يعرفها سوى الراسخين في علم التستر والتخفي
ضحك الرفاق لهذه المداعبة الظريفة وسأل أحدهم الداعي قائلاً، ما معنى أنك لا تشرب الوسكي إلا من ماركة (كناديان) ولا تدخن السجاير إلا من ماركة (لكي ستريك)؟ وسأل الثاني: لماذا تندّ الليلة عن الشرعة الشاذة التي اشترعتها لنفسك في الخمر والتدخين وموعد تعاطيك إياهما لم يئن بعد؟ وقال الثالث: أحسب أن دعوة الليلة إنما هي لتوديع الشباب والكهولة وقد ذبل ويبس منها الورد والثمر والغصون
فصاح صائح: اسكتوا اسمعوا، لنشرب هذه الكأس على ذكر داعينا وقد ودع الخمسين من عمره السعيد منذ عشر سنوات خلت. . . فقاطعه آخر وقد انتصب على الكرسي قائلاً: بل نشرب نخبه وقد عاد إلى العاشرة من عمره لأن التقدم بعد الخمسين إنما هو نكوص وتراجع!!! وهكذا كان الرفاق بين ضاحك وناقد وظريف لطف دبيب الخمر ذوقه، وبين صامت يشتف ما في الكأس روية، ومالتها مترعة، هذا يشرب بلا انقطاع، وذاك يهمش اللقمة ويمضغها ويضحك، وذلك يفتك باللحم يلته بالتوابل ويزدرده، وواحد غمه الطعام والشراب فثقلت معدته وجاشت نفسه فانتحى الزاوية ولبد والظريف في هذا الحفل أنهم كانوا يتكلمون جملة، ويضحكون ويقهقهون بجرس واحد، ولا يستمعون إلا إذا صاح بهم صائح جاف، وهكذا أنصتوا للقائل بصوت أجش
لكم الله من ضيوف كثيري الجلبة واللغط، اشربوا واطربوا فخير الشراب ما كان كغناء المغني يعبر عن حزن دفين وإن كان يبدو أنه يعرب عن الطرب والسرور
وقعت العبارة في نفوس الشاربين موقع الجمرة في الماء، تنطفئ ولكنها تترك أثرها، وتصعد بخارها، وتئن أنه الموجع
كاد السكوت يسود المجلس، ويعتري المتنادمين فتور السكير وكظة الآكل لو لم يقل أحدهم: