جاثم شديد. أوه! ماذا أحدثك؟ لقد جعلتني ضحكاتي أجمل فتاة بين صواحبي. ثم وجدت فيها ما يخففن من آلامي، ثم صرت إذا أصابتني مصيبة تعمدت أن أضحك، لأنسى همومي. أتدري أنني رزئت في ابنتي وبنيتي؟ لقد أبتلع البحر ابني وهو في العشرين من عمره، وماتت ابنتي الصغيرة في الألب، وأصابتني في هذه الحرب كوارث تحطم، وكنت أحزن وأبكي، ثم أعود إلى الضحك. . . وأصبر، فيذهب الحزن!.
قلت لها: إنها وصاه جديرة أن تتبع يا سيدتي. لو عرف الناس هذه الإسرار، لضحكوا. . .
قالت: أؤكد كذلك أنهم لو عرفوها لما تركوا الضحك أبدا.
كانت أمي تقول: إن في الضحك أسرار ليست في شيء غيره، ضحكة بل بسمة ترضي زوجك إذا كان مغضباً. وضحكة رقيقة تأسر عقل زائرك ولو كان جافياً. أضحكي، استعيني على قضاء حاجاتك بالضحكات والبسمات. اضحكي، وأنت في نزعك. . فإن ذلك يثير شفقة الناس، ويزيد في دعائهم لك، وحبهم إياك. أضحكي وأنت خانقة مغيظة، فان الضحك يهدئ ويرضي. بل اضحكي إذا أهنت يوما، ولم تستطيعي أن تنتقمي، فإن ضحكك يزيد في غيظ خصمك. فإذا واتتك الفرصة بعد ذلك فانتقمي منه.
لقد أثر حديثها في نفسي. وأنست به. وأدركت هذه النضارة التي تسيل في جسمها وترف على خديها، وهذا النور الذي يتألق في عينيها.
إن الناس جميعاً لا يستطيعون أن يفعلوا كل هذا. ولكن ألا يمكن أن يفعلوه إذا اعتادوه؟
ثم إنه يظهر بعد هذا، أن في الضحك، ولو كان يخفي الحزن، سراً.
وأن هذا السر يقاوم الأمراض، أو يدفع الجراثيم. إن علماء النفس يشيرون إلى النشاط الذي يتدفق في الجسم إبان الفرح. وكأن هذا النور الذي يفيض في الابتسام والضحك، ينشط ويقوي، وأن مادة كهربية تريح الأعصاب، وتزيد في العافية، بل كأن فيه ما يشفي فعلاً من بعض الأمراض.
فقد ذكرت أن (برغسون) الفيلسوف الفرنسي الشهير، أجهد التفكير والعمل، قبل موته بعشر سنين، فضعفت أعصابه، وبدت عليه إمارات النورستانيا، فلجأ إلى الأطباء، فلم ينج بعقاقيرهم مما هو فيه. حتى أشار عليه واحد منهم بأن الضحك. فعجب الفيلسوف، وألح الطبيب: (إن دواءك الفرد هو أن تضحك يا سيدي. فأضحك كل يوم ساعة، أو ساعتين. .