من رسالة صديقه الطويلة ذات الصفحات الأربع غير مرض منيرة، ولم يكتب شيئا في جوابه غير السؤال عن منيرة والاهتمام بها، والدعاء لها! وفي صندوق البريد ألقى الجواب، ثم خرج منفردا في نزهة وراح يفكر. . . وبدا له انه كان متسرعا كل التسرع، عجلا كل العجلة، فيما ضمن جوابه من عبارات، أي صلة بينه وبين حسين أفندي تسمح له ان يهتم كل الاهتمام ببنته، وأن يصرح بالشوق إليها، والألم الموجع لمرضها في كتاب لأبيها وليس من التقاليد أن يتكلم الشبان عن بنات أصدقائهم بهذه اللهجة الناعمة المفتونة؟ ولكن حامد نفسه لم يكن يعرف لماذا كتب ذلك، ولا كيف اندفع إليه ونسى التقاليد والأدب اللائق، أكان يحبها وهذا وحي عاطفته ودافع وجدانه؟ ربما!
بلغته رسالة أخرى من صديقه حسين أفندي، فلم يكن بها ذكر لمنيرة أو نبأ عنها. أكان تجاهلا مقصودا؟ وهل كان ذلك عن أثر رسالته؟ ترى ماذا كتب فيها؟ لقد نسى كل ما جرى به قلمه، ولم يذكر إلا أنها كانت رسالة تجاوز بها التقاليد التي يدين بها حسين أفندي أكثر مما يحرص حامد على نبذها. .
وكأنما انقطعت عنه أخبار صاحبته منذ أمد طويل لا منذ أيام، وابتدأت تغزو فكره مرات في اليوم الواحد، أو أخذ يذكر حديثها ويستعيد الكثير مما ينكره ويردده بلسانه في لحن عذب الإيقاع، وطارت حولها أمانيه، وعقد بها مستقبلة. لقد كانت وهي بعيدة أفتن منها بين عينيه! ولم يشغله فيما تلا ذلك من أيام إلا أن يحصى كما بقى من الزمن ليعود إلى هناك. . .
وكثرت زياراته للبلد: زارها مرتين في الشهر الأول، وثلاثا في الشهر الثاني، وكان في كل زيارة من هذه الزيارات يجد نفسه مسوقا إلى ناحية بيح حسين أفندي، فيقضي هناك بعض الوقت قبل أن يزور أمه وأخوته. ورأى في ترحيب صاحبته به، وسرورها بمقدمه معنى لم تنكره عيناها، واعترفت به ضغط يدها عند اللقاء وعند الوداع. لم تعد به حاجة لأن يسأل نفسه عن سر ذلك، فقد أيقن أنه وأنها. . .
وأضمر أمرا وأسره إلى صديق، فقد كان يفكر في أن يختارها لنفسه زوجة، ولكن أتراه يستطيع أن يقدم على ذلك وهو ما يزال طالبا بينه وبين رجولة الأزواج أعوام ثلاثة؟ وماذا عليه لو خطبها إلى أبيها وطلبه إليه أن ينتظر حتى يتخرج، أتراه يقبل ذلك ويرضاه لها؟