ولكنك تكون واثقاً أن هذه الكلمات ستبقى كلمات، فلا تأخذ طريقها إلى النفس ولا تثير الانفعال ضدها والاشمئزاز منها إلا بمقدار. . . ألفاظ تنسى بعد حين كما ينسى كل ضخم من الكلمات.
أما حين تترجم هذه الكلمات إلى حوادث واقعية وصور آدمية كما صنع المؤلف. فعندئذ فقط تلبس ثوب الحياة، وتتخذ لها جسماً ملموساً يوقظ الحس ويثير الانفعال. وعندئذ ترجو لها حياة فنية لاشك فيها، وترجو لها موقظاً اجتماعياً، ربما كان!!.
ولحسن الحظ أن صاحب هذه الصورة الانتقادية موهوب في فن تصوير السريع؛ ومهما أخذت عليه، من عيوب في عمله الفني فإنك لن تخطيء الملامح التي يريدها، والسحنة التي يبغيها، وهذا وحده يكفي. .
إنه ذو عين لماحة تسجل الحركة الحسية، كما تسجل الحركة النفسية. ثم تغلف اللمحة الموسومة بروح السخرية، وتمزجها بعنصر الفكاهة. حتى ليخيل إليك أنه ينظر إلى الدنيا كما ينظر إلى ملهاة كبيرة. تأخذ عينه فيها لمحات التناقض، وتأخذ حسه فيها مواضع السخرية، وتأخذ نفسه فيها مواطن الدعابة!
ولعله أن يكون قد بالغ في إبراز مواضع السخرية، ومواطن التشويه المضحك في هذه الصور، ولعله أن يكون في الدواوين وجوه أخرى لم يلتفت إليها لأنها تغذي في نفسه هذه الحاسة.
ولكن الذي لا مراء فيه أنه وفق في تصوير (جو) الدواوين، وفي تشخيص (روح) الوظيفة. فهذا الجو هو جو الغش والخداع والتهافت والتهالك والرياء والجبن والنفاق والوقيعة. وهذه الروح هي روح البطء والتهاون والإهمال والتواكل والجمود والروتين والسأم والملالة. . . فإذا وجد على هامشه بقايا من الإنسانية السليمة، فهي محاربة منه، ومكروهة من أهله متهمة (بالقنزحة) لا تختلط به ولا تندمج فيه.
من (لمحات) هذه العين الخاطفة صورة محسوسة يراها سكان العاصمة الآن في كل آن. صورة الكتل البشرية التي تتزاحم على الترام. وهي على بساطتها صادقة كاملة فيها عنصرا الفكاهة وروح الدعابة: وهي جزء من صورة يسجل فيه ذهاب الجمال إلى