للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يتساويان في قدرة القادر، وإبداع المبدع بل في علم العالم أزلاً فليسا سواء في وجودنا الزماني الناقص، وهذا هو ما يعنينا نحن أبناء الزمان الفانين.

نبوغ عبقري دليل على تحقيق بعض الآمال التي ناطها الله بالإنسانية ورفعة إياها من أفق إلى أفق أعلى وأرحب وأجمل، ونسخها من شكل إلى شكل أصفى وأصدق تمثيلا لقدرته وإبداعه، وأفصح تعبيراً عن حكمه، وأشد تحقيقاً للقوى الكامنة التي بثها فيها، وأدنى إلى الغايات التي يجذبها إليها خلال سيرها نحو الكمال المقدور للمخلوقات الفانية في شوقها إلى الله.

إن الخلق هو أعظم النعم ولا ريب كيفما كان.

ولكن تمام هذه النعمة لا يتحقق إلا بالامتيازات التي يسبغها الله على من يصطفيهم من مخلوقاته على مقتضى حكمه، وهو يخلق ما يشاء ويختار. فإذا هؤلاء الممتازين أنس الحياة وجمالها ومسوغها، وحجة الخالق التي يمتحن بها المنكرون، ويزداد بها المؤمنون إيماناً ويقيناً واطمئناناً.

لا يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات والنور.

ولا يستوي الذي لا يعلمون والذين يعلمون.

ولا يستوي الأموات والأحياء

ولا تستوي الإنسانية ضالة ضائعة قبل نبوغ العبقري فيها، والإنسانية رشيدة شاعرة بمكانتها بعد نبوغ العبقري.

وإذا استجاب الإنسانية إلى دعوة العبقري طهرت أرواحا من أكدارها، وانكسرت عن قواها أغلالها، وزالت عن أبصارها عشاواتها، وانسلخت عن قلوبها أر كنتها، فشعرت بالصلات الوثيقة التي تربط كل شئ فيها بكل شئ، والصلات الوثيقة التي ترابطها كلها بالوجود كله من وراء تلك الصلات أو من خلالها؛ وانطلقت بهدى العبقرية نشيطه في حياتها، مندفعة نحو الغاية التي أريدت لها، عاملة بكل القوى التي بثها الله فيها. وإنها لتعمل وسعها واو لم تعرف الغاية الصحيحة من وراء عملها أنها مدفوعة إلى العمل بقوى جبارة تنفجر من أغوار النفس البعيدة فلا سلطان لها عليها، ولأنها تجد في العمل لذة اللعب أو الرياضة وجمالها، وحسبها ذلك من غاية لأعمالها، ولتكن عندها من وراء ذلك أو لا تكن غاية

<<  <  ج:
ص:  >  >>