للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإيمان بالقيم الخلقية والعقائد التي تثير أعظم ما في الطبائع البشرية وتوجههاً نحو المجد والقوة والفوز ولعل هذا الأمر هو السر في أننا نجد كثيراً من تلك الجبهات الإصلاحية لا تلبث أن تنهض حتى تنهار، ولا يلبث رجالها أن يتعارفوا حتى يتناكروا ويختلفوا وتظهر أعراض اختلافهم وتناكرهم على عيون الأشهاد، وهذا من طبيعة الأشياء إذ كيف يتأتى أن تجتمع الأضداد والمتناقضات من غير احتراب وشقاق؟ وأي بذرة أو نواة استطاعت قوانين الحياة والنماء أن تخرج منها نخلة أو شجرة فارعة مثمرة إذا كانت عوامل السوس والفساد قد تسرب إليها وهي في طور النمو الأول؟ إن الله تعالى يحافظ على مناطق النمو في النبات والحيوان ويلففها بأقمطة ولفائف ويقيم حولها حراساً أيقاظاً تدرأ عنها عوامل الفساد وتحفظ فيها عوامل الحياة ولا تسمح لسوسة أو نملة أو جرثومة مخربة ضئيلة أن تتطرق إليها وتزعم أنها من عوامل التكوين والنمو. تلك هي سنة الله القادر العالم الحفيظ الغيور على ما يصنع حين يكون المصنوع في دور الضعف دور النشوء، حتى إذا قوى واشتد وصار قادراً على احتمال الصراع بين عوامل الحياة وعوامل الفناء تركه يبرز قواه الذاتية وأسراره الخفية في الحرب الأبدية بين الخير والشر. فلماذا لا يصنع محبو الإصلاح المخلصون ما يصنع الله ويسترشدون بسننه وقوانينه؟ أم هم يظنون أنهم قادرون على تبديل سنن الله ما داموا يتكلمون بحذق ومهارة؟ إن الأمر في إنشاء جيل على الصلاح ليكون أساساً لأجيال بعده، أعظم من أن يكتفي فيه بتزاويق الكلام وتحابيره. إنه يلخص في أمر واحد. عمل مجسم صامت في جوانب الحياة لا يعلن عنه أصحابه وإنما يتحدث عنه غيرهم!

وما ينبغي أن يخدعنا الكلام بعد أن وعينا عبرة الأيام التي هي عبرة العمل وحده في الأمم التي تحب العمل. . .

لقد وجدت بعض الملحدين الفاسقين يحسنون القول في الإيمان أكثر من إحسان المؤمنين الصادقين. . .

ووجدت بعض المجرمين يجيدون القول في احترام العدالة والقوانين أكثر من إجادة الطائعين الخاضعين للنظام. . .

ووجدت بعض الضعفاء يعظمون القول في القوة ة والسلطة أحسن من الأقوياء المسلطين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>