فيها حقه عليهم، كما قال تعالى في الآية - ٤٠ - من سورة البقرة (وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون)
وكان عهد الله تعالى عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وأن يصدقوا أنبياءه الذين يرسلهم إليهم، فلم يفوا له بهذا العهد وكذبوا بعض من أرسله إليهم، وقتلوا بعضهم، كما قال تعالى في الآية - ٧٠ - من سورة المائدة (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلاً كلما جاءهم رسولٌ بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذّبوا وفريقاً يقتلون) والتوراة وما بعدها من كتب العهد القديم مملوءة بأخبار نقضهم هذا العهد، وكفرهم بالله تعالى، وتكذيبهم أنبياءه.
وقد سلط الله عليهم من أخرجهم من هذا الوطن جزاء لهم على
نقض هذا العهد، وكان بختنصر أول من سلطه عليهم،
فأجلاهم من فلسطين إلى بابل، وقد مكثوا بها إلى أن أعادهم
كورش الفارسي إلى فلسطين، فأقاموا بها ثانياً مدة من الزمان،
وأقاموا دولة لهم فيها دون دولتهم الأولى.
ثم سلط الله عليهم دولة الروم قبيل ظهور المسيح، فقضوا على دولتهم قضاء لا مرد له، وأجلوهم من فلسطين آخر جلاء، لأنهم كذبوا مسيحه وحاولوا قتله، وقتلوا ابن خالته يحيى بن زكريا قبله، فعظم بغيهم، وتفاقم شرهم، وانقطع الأمل في صلاح حالهم ولم يبق معنى لبقائهم في فلسطين، بعد أن ظهر المسيح بشريعة لا تختص بهم وحدهم. ثم جاء الإسلام فجعل الرسالة عامة للناس جميعاً، واستوى فيها الخلق كافة، فدان للمسيح من دان من الشعوب، ودان للإسلام من دان منهم، وبقي اليهود وحدهم يزعمون أن رسالة الله لا تتعداهم، وأنه لم يصطف من الناس غيرهم
فاتفقت النصرانية والإسلام على نزع هذا الوطن منهم ليتحقق وعد الله بنزعه منهم إذا لم يفوا بعهده، ويؤمنوا بأنبيائه لأن وعد الله حق، وخبره لابد من تحققه في الماضي والحاضر والمستقبل، ومن يمكن لهؤلاء اليهود في فلسطين من مسيحيي أوروبا وأمريكا يخالف المسيحية قبل أن يخالف الإسلام، ويجري وراء السياسة الباغية التي توقع الناس في أفظع