فواضح جداً أن هدف الشاعرة الأولى هو بعينه هدف الشاعرة الثانية، ولكن سياق حفصة جميل فاتن، ولا غرو فهو طراز أندلسي أخذ جماله من عصره، واستمد رقته من أهله فجاء صافياً كمرآة النهر الوديع.
ولا بد أن يعلم القارئ أن التصريح في نسيب المرأة كان في مجموعة أقل من التلميح. وقد قرأت في هذه الأيام أكثر ما روي لحواء من رائق التشبيب فلم أجد التصريح إلا في حالات خاصة تخفف من حدته، وتشفع لقائلته أتم شفاعة، وهي في جملتها لا تخرج عن حالات ثلاث:
فالحالة الأولى - وهي الجديرة بالإشفاق - تكون غالباً عندما تفقد المرأة صوابها الراشد، وفكرها المتيقظ، فتندفع في تيار الحب أعنف اندفاع وأقساه، ولا تعود تفكر في غير الشخصية المسيطرة على منافذ إحساسها، القابضة على زمام فؤادها، وما ظنك بمن ترسل أشعارها الذائبة ناطقة بجنونها الشقي، غير عابئة بما يلقاه بها الأقربون، من صنوف الإيذاء والتعذيب كشقراء بنت الحباب، فقد قاست في غرامها الطائش ما تقشعر لهوله الأبدان، وطالما أنهال عليها والدها بالسياط المحرقة تشوي الإهاب، وتمزق الأعضاء، وهي بعد لا تنسى في جحيمها المشتعل حبيبها يحيى بن حمزة بل تهتف:
أأضرب في يحيى وبيني وبينه ... مهامه لو سارت بها الريح كلت
ألا ليت يحيى يوم عيهم زارنا ... وإن نهلت منا السياط وعلت
وكأني بوالدها وقد رحمها بعض الشيء فبعث إليها صواحبها لائمات عاذلات، راجياً أن يثوب رشادها العازب إلى وكره، فتنسى ما تهذر به للغادي والرائح، ولكن أمل الحباب ينطفئ خابياً حين يجد ابنته تصيح في آذان اللائمات:
سأرعى ليحيى الحب ما هبت الصبا ... وإن قطعوا في ذاك عمداً لسانيا
فقد شف قلبي بعد طول تجلدي ... أحاديث من يحيى تشيب النواصيا
وهناك من المدنفات من لا تفرق بين النافع والضار، فهي إذ تصطلي بجحيم الشوق اللافح، لا تجد من تطلعه على خبيئة سرها غير والدها العنيف؛ مع أن الأب - لو عقلت الفتاة - أول من ينبغي أن يكتم عنه هذا النبأ المزعج، وخاصة إذا كان من قساة البدو، وجفاة